[لا تحقر الشهادة!]
ـ[عصام البشير]ــــــــ[30 - 09 - 10, 03:14 م]ـ
المقال منشور في موقع الألوكة
(الرابط من موقع الألوكة) ( http://www.alukah.net/Culture/0/25736/)
بين يديَّ الآن كتابٌ أتسلَّى بقراءته، وأريح ذِهْني من الكلال الذي يُصيبه كثيرًا، بعد شيء من المجهود في مُطالعة كُتب العِلم الشرعي المختصَّة، أو الكتب الأدبيَّة الدَّسِمة، وهو كتاب "ما بعد الأيام"؛ لصاحبه الدكتور أحمد حسن الزيَّات، خَتَن الدكتور طه حُسين على ابنته.
وهذا الكتاب أرادَ له مؤلِّفُه أن يكونَ تَتِمَّة للسيرة الشخصيَّة التي عقَدَها طه حُسين لنفسه في كتابه "الأيام"، ويقول المؤلِّف: إن التلفاز المصري طلَبَ منه أن يعدَّ فصولاً في سيرة عميد الأدب العربي، يعتمد عليها في إخراج سلسلة تلفازيَّة جديدة عنه، فكان هذا الكتاب استجابة لرغبة مسؤولي التلفاز.
وأنا أتركُ جانبَ ما يُمكن أنَّ يُقال عن دِقَّة المؤلِّف في خَلْطه بين الأحداث الواقعيَّة، والمواقف المفترضة المتخيَّلة؛ وأترك التشكيكَ في موضوعيَّة المؤلِّف، حين يَعْرض لمواقف المترجم السياسيَّة، أو مساجلاته الفكريَّة والأدبيَّة، وأترك التعليقَ على أسلوب الكاتب، الذي سارَ فيه على طريقة كُتَّاب "السيناريو"، فتتوالَى فيه الأفعال المضارعة على صورة ترهقُ صاحب الذوق الأدبي السليم.
أترك هذا كلَّه؛ فليس مما يهمني في قبيلٍ ولا دَبير، والكتاب - قبل كلِّ شيء - ليس مما يُحتفى بنقْده، وتَتَبُّع مواطن الخَلل فيه؛ إذ هو أقلُّ من ذلك بكثير، ولا يخرج إجمالاً عن طرائق أهْل الصحافة المكتوبة في مؤلَّفاتهم.
لكنَّ بعضَ المواضع من الكتاب استثارتني، ورمتْ بِيَ بين أحضان الحاسب؛ لأُرَقِّمَ هذه السطور.
تأمَّلتُ في حالة هذا الرجل الذي يُقال عنه عميد الأدب العربي، وعدْتُ بذاكرتي إلى ما قرأتُه له من مؤلَّفات، وأنا بعدُ في سنِّ المراهقة، ككتابه عن الأدب الجاهلي، ومجموعة مقالاته التي كان يصدرُها يوم الأربعاء في بعض المجلات، ثم جمَعَها في سِفْرٍ واحدٍ من ثلاثة أجزاء، وأضفتُ إلى ذلك ما قرأتُه له بعد ذلك؛ من الروايات والكُتب.
وتدبَّرتُ ذلك كلَّه بميزان النقْد الذي اصطنعتُه لنفسي بعد أن عرَفْتُ من الأدباء القُدامى والمحدَثين - من أهْل العربيَّة وأربابِ الأدب الأوروبي الحديث - ما صِرْتُ به أعلم بمصادر الأدب وموارده منِّي أيَّام كنتُ مُراهقًا حَدَثَ السنِّ، تستهويني الدعاوى، وتغرُّني الألقابُ.
ولم ألبثْ بعد يسيرٍ من التدبُّر أن انبعثتْ من أعماقي صَرخةٌ فيها كثيرٌ من الألم والمرارة: ما الذي جعلَ هذا الرجل يتربَّع على عرْشِ عمادة الأدب العربي في العصر الحديث؛ حتى صارَ أولادُنا في المدارس يعرفون اسْمه قبل أن يعرفوا أسماء الرافعي، والزيَّات، ومحمود شاكر، والطنطاوي؟ أستغفر الله، بل هم يعرفون اسمه وكُتبه وشيئًا غيرَ قليل من سيرته، ثم هم لا يعرفون أسماءَ الآخرين أصْلاً، فضْلاً عن أن يكونَ لهم بعضُ اطلاعٍ على كتاباتهم!
أيكون ذلك لأجْل أسلوبه الفني، الذي يسحر الألباب، ويأْسِر القلوب؟ كلاَّ والله! ليس لطه حسين من ذلك شيءٌ كبير ولا صغير، بل أسلوبه إنْ يرتفعْ قليلاً عن أساليب عامَّة طلبة الأدب وكُتَّاب الجرائد، فإنَّه لا يرتقي إلى مراتب الأدباء المبرزين من أهْل العصر، عربيِّهم وعجميِّهم، فليس هو من أهْل الصناعة والتكلُّف اللفظي، ولا هو من أهْل السلاسة وتوليد المعاني، وليس فيما يكتبُ تشبيهاتٌ رائقة، ولا تراكيب مُتناسِقة، ولا خيال أخَّاذ، ولا وصْف دقيقٌ، هذا مع تَكرارٍ كثير تَمَلُّ منه الأسماعُ، وتكلُّ من ثِقَله العيون؛ وحَوَمان طويل حول المعنى المقصود، فلا يصيبُه إلاَّ بعد أنْ تتفطَّرَ كبدُ القارئ، أو تكاد.
أم لعلَّ ذلك لدِقَّته في البحث، وإبداعه في النقْد الأدبي، وتجديده في أصول المناهج العلميَّة؟!
¥