فإن تبين له بعد ذلك أنه أنما كَذَبَ عليه لِيَغُرَّهُ فله الخيار لأن هذا من النجش، حيث استثار المشتري حتى اشتراها بأكثر من ثمنها.
المسألة الرابعة: ((قوله ولا يَبِع حَاضِر لِبَاد)) الحاضر هو: صاحب القرية والبلدة، والبادي من ليس من أهل القرية سواء كان بَدَوِياًّ أو من قرية أو بلدة أخرى.
وفيه مباحث:
المبحث الأول: اعلم أن بيع الحاضر للباد له صور:
أ. أن يتولى الحاضر بيع سلعة البادي يخرج له أو يتلقاه وقد جلب السلعة ويقول أنا أبيع لك، فهذه منهي عنها، نهى عنها النبي _ صلى الله عليه وسلم _ في هذا الحديث، وقد قال _ صلى الله عليه وسلم _ كما في "صحيح مسلم"‘ عن جابر: ((دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)).
والحكمة في النهي: أن البادي في الغالب يبيع بِرُخْص لأنه يريد أن يقضي حاجته ويذهب فإذا تولى الحاضر بيعها، ضاق على أهل البلد، لأنه لن يبيع إلا بسعر البلد ولهذا نُهِيَ عن أن يبيع الحاضر للباد.
ب. أن يحمل البادي أو القُرَوِي متاعه إلى البلد ليبيعه بسعر يومه وَيَرجِعُ، فيأتيه الحاضر ويقول: ضَعْهُ عندي لأَبِيعَه على التَّدْريج بِزيَادة سِعر، وهذا داخلٌ في عُمومِ النَّهَيْ، لأَنّ المعنى في إِضرَارِ أَهل البلد يَتَنَاوَلُ الصورَتَين.
مالفَرق بينَ هَذهِ الصُّورة والصورة السابقة؟.
الصورة السابقة يَبِيعهُ في الحَال بِثَمَنٍ حَال، والصورة هذه يبيعه بالتدريج يعني شيئاً فشيئاً حتى يَنْفَد بِزيادة سِعر.
وقال بعض العلماء لا يدخل هذا في النهي _ أعني الصورة الثانية _ لأنه يُشْتَرط أن يبيعها بسعر يومِهَا، أما إذا قَصَدَ البيع بالتدريج فلا بأس، لأنه لا يَضُر بأهل البلد ولا سبيل لمنع المالك منه.
وهذا مذهب الحنابلة، والصحيح الأَوَّل وهو الأَخْذ بالعموم، سَوَاءٌ بَاعَهُ الحاضِرُ للباد حالاً أو بالتدريج لعموم قوله: ((ولا يبع حاضر لباد)).
ج. أن يقصد البادي الحاضر ويقول: خذ هذه السِّلْعَة بعها لي، وهذا داخلٌ في عموم النهي ((ولا يبع حاضر لباد)) لكن لو أن البادي قَصَدَ الحاضر وقال خذ هذه ذهب هو بنفسه إليه فنقول هذا داخل في عموم النهي، وقال بعض العلماء بل إذا قصده البادي فلا بأس أن يبيع له لأن البادي لا يريد أن يبيعها بيع باد، ولكن أراد أن تباع بيع حاضر ولهذا ذهب هو بنفسه إلى الحاضر وقال خذ هذه السلعة وبعها لي، هذا يدل على أنه يريد أن تباع بنفس السعر لا يريد الرخص وهذا هو المذهب عند الحنابلة والصحيح الأخذ بالعموم سواء قصد البادي الحاضر أو قصد الحاضر البادي، لأن العلة واحدة.
د. أن يكون البادي عالماً بالسعر، وَيَتَلَقَّاه الحاضر ليبيع له، فهذا داخل في عموم النهي.
والمشهور من المذهب وهو القول الثاني أنه إذا كان عالماً بالسعر فإنه لا حرج أن يبيع له الحاضر لأن المعنى الذي نهى الشارع من أجله من بيع الحاضر للبادي مفقود في هذه الصورة قال الإمام أحمد في رواية أبي طالب ’’إذا كان البادي عارفاً بالسعر لم يحرم ‘‘.
والصحيح العموم، وأنه لا فرق بين أن يكون البادي عالماً بالسعر أو جاهلاً بالسعر، وظاهر الحديث يدل على ذلك، الحديث ما فرق بين أن يكون عالما بالسعر أو غير عالم بالسعر.
إذاً تفريقنا بكونه عالماً بالسعر أو كونه غير عالماً بالسعر تفريق لا دليل عليه فالأخذ بالعموم أولى.
هـ. أن يكون البادي قد جَلَبَ طعاماًَ أو أَلبِسَةً أو نحوها مما لا يحتاجه الناس، فَيَتَلَقَّاهُ الحاضر ليبيع له فهو داخل في عموم النهي كيف ذلك؟.
يعني قدم البادي بسلعة غير مرغوبة لا يحتاجها الناس سلعة لا يحتاجها إلا فئام من الناس فهل هو داخل في النهي؟.
نقول عموم النهي على المنع من تلقيه سواء أتى بسلعة يحتاجها الناس، أو بسلعة مما لا يحتاجها الناس.
وقال الشافعية والحنابلة بل لا بد أن يكون بالناس حاجة إليها، فإن لم يكن بالناس حاجة إليها فلا حرج أن يبع الحاضر للباد.
والأخذ بعموم الحديث أولى.
¥