تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[نقض الاجتهاد]

ـ[أبو عبدالملك]ــــــــ[03 - 06 - 05, 11:48 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فهذا مختصر لبحث مطول في مسألة نقض الاجتهاد.

أولا: ما يحصل به النقض وعدمه.

النقض في اللغة مصدر نقض، وهو أصل يدل على نكث شيء، والنقض ضد الإبرام يقال نقضت البناء والحبل والعقد إذا أفسدت ذلك، ويطلق على جنس من الصوت فيقال لصوت المفاضل نقيضها، وهو قريب من الأول؛ لأنها تنتقض بخروجها من عادتها فيسمع لها الصوت حينئذ، فالنقض حينئذ هو إبطال الشيء ونكثه وإفساده بعد أن كان مبرماً.

والمراد بالنقض هنا هو النقض بمعناه اللغوي، فنقض الاجتهاد هو إبطال الحكم السابق وإفساده بعد أن كان مبرماً.

1ـالنقض بالنص:وله حالات:

الحالة الأولى:النص القطعي:

وهنا أتفق العلماء على نقض الاجتهاد إذا خالف نصاً قطعياً (1)،والمراد بالنص القطعي هنا ما كان قطعي الثبوت والدلالة. (2)

الحالة الثانية: النص إذا كان ظني الدلالة:

فيها قولان:

القول الأول: أن النص الظاهر لا ينتقض به الاجتهاد:وهو قول أكثر الأصوليين، يدل عليه صنع كثير منهم ممن قيده بالقطع أو أطلقه دون قيد (3).

القول الثاني: أن الظاهر ينقض به الاجتهاد، وبه قال بعضهم، ولعل هذا القول هو الأرجح؛ لأن الممنوع نقض الاجتهاد بمثله إذا تساويا في الرتبة لا إذا كان أحدهما أقوى من الآخر بحيث يلتحق بالقاطع، لكن إذا كان الظاهر واضحا في ظهوره بحيث يورث غلبة ظن يمكن أن تلحقه بالقطعي، ولا يخفى أن غلبة الظن معتبرة في الشريعة، كما أن الظاهر حين يحتف بما يقويه يفيد العلم فيلتحق بالقطعي، ولعله لأجل ذلك قيده ابن السبكي بالظاهر الجلي.

الحالة الثالثة: النص إذا كان ظني الثبوت:

النص إذا كان ظني الثبوت فهو خبر الآحاد، وأما السنة المشهورة فهي من قسم الآحاد عند الجمهور، وأما الحنفية فهي من قسم المتواتر أو هي قسم مستقل يورث ظنا فوق ظن الآحاد (4)،فهي إما أن تكون قطعية الدلالة أو ظنيتها فلا يفرد لها قسم مستقل.

وقد اختلف الأصوليون في النقض بالسنة الآحادية على أقوال:

القول الأول:أنه لا ينقض بالسنة الأحادية:وهذا قول أكثر الأصوليين (5).

القول الثاني: أنه ينقض بالسنة الآحادية:وهو اختيار أكثر الحنابلة (6).

القول الثالث: أنه ينقض بالسنة الآحادية إذا احتفت بها القرائن،وبه قال النووي، وتبعه فقهاء الشافعية، واختاره الصفي الهندي (7).

ولعل الأرجح هو القول الثالث وهو النقض بالآحاد إذا كان محتفاً بالقرائن المفيدة لإفادته العلم كأن يكون مشهوراً مع صحته، أو قد تلقته الأمة بالقبول، أو تتابع عليه عمل السلف ونحو ذلك،وإن لم يكن كذلك فلا ينقض به الاجتهاد لاستوائهما في الظن فلا يكون أحدهما أولى بالتقديم من الآخر.

2ـ: النقض بالإجماع:

تتابعت كلمات الأصوليين في أن الاجتهاد ينقض بالإجماع (8)،ولكن يظهر لي أن المسألة هنا مرتبطة بالخلاف في اعتبار حجية الإجماع أو ظنيته، فالقائلون بأنه حجة قطعية وهم الأكثر يرون النقض به، ومن قال إنه حجة ظنية كالرازي فهل يقول بالنقض به أو لا؟ فيه تأمل، ويظهر لي أنه لا يقول بالنقض بالإجماع مطلقا، ولذا فيما يبدو كان لفظ الرازي لفظا عاما حيث قال:"واعلم أن قضاء القاضي لا ينتقض بشرط أن لا يخالف دليلا قاطعا، فإن خالفه نقضناه" (9)،لكن قد يستثنى من ذلك الإجماع إذا كان مستنده التواتر أو كان مما علم من الدين بالضرورة.

وأما إذا قيل إن الإجماع منه ما هو قطعي ومنه ما هو ظني فيكون في النقض بالإجماع الظني قولان:

القول الأول: أنه لا ينقض به الاجتهاد، وهو قول أكثر الحنابلة وجعله ابن النجار هو الأصح (10).

القول الثاني: أنه ينقض به الاجتهاد، وهو قول عند الحنابلة، وذكره المرداوي ظاهر كلام كثير من الأصحاب الذين أطلقوا لفظ (الإجماع) (11).

ولم يترجح لي أحد القولين غير أني أميل إلى عدم النقض بالإجماع الظني لعدم قوته.

3ـالنقض بالقياس:

لا يظهر لي وجود خلاف بين الأصوليين في أن القياس الخفي لا ينقض به الاجتهاد (12).

أما القياس الجلي: فقد اختلف الأصوليون في النقض به على قولين:

القول الأول: أنه ينقض به الاجتهاد، وهو قول أكثر المالكية، وأكثر الشافعية، وهو قول الشافعي، ونقل عليه الاتفاق (13).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير