أما القول: بأن التكبير عند ختم المصحف الشريف؛ فإن هذا الذكر إنما يؤتى به عندما يقرأ المسلم ختمة كاملة، فيكبر في بداية كل سورة، وهو ما يسمى التكبير العام، أو يكبر من أول أو آخر سورة: " والضحى " إلى أول أو آخر سورة الناس.
رابعاً: حكم التكبير عند ختم المصحف عند القراء والفقهاء:
حكم التكبير عند ختم المصحف عند القراء: مسنون. وقد أشار الحافظ ابن الجزري إلى سنة التكبير عند ختم المصحف الشريف في طيبة النشر بقوله:
وسنّةُ التكبير عند الختم صحَّتْ عن المكِّينَ أهل العلم
في كل حال ولدى الصلاة سُلْسِلَ عن أئمة ثقات
من أول انشراح أو من الضحى من آخرٍ أو أولٍ قد صُحِّحا
للناس هكذا وقبلُ إن تُرِدْ هَلِّلْ وبعضٌ بعدَ لله حَمِدْ
ثم اقرإِ الحمدَ وخمسَ البقره إن شئت حِلاًّ وارتحالاً ذَكَره (4)
وقال ابن الجزري في تقريب النشر: " وهو في الأصل سنة التكبير عند ختم القرآن العظيم عامة في كل حال صلاة أو غيرها، وشاع ذلك عنهم واشتهر واستفاض وتواتر، وتلقاه الناس عنهم – أي القراء – بالقبول حتى صار العمل عليه في سائر الأمصار، ولهم في ذلك أحاديث وردت مرفوعة وموقوفة " (5).
وقال محمد مكي نصر: " اعلم أن التكبير سنة عند ختم القرآن " (6).
وقد ورد في التكبير عند ختم المصحف الشريف عن أهل مكة حديث مسلسل (7)، ورواه بعضهم في جميع سور القرآن، وهو ما رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين بسنده قال: حدثنا أبويحيى محمد بن عبدالله بن محمد بن عبدالله بن يزيد المقري الإمام بمكة في المسجد الحرام، قال: حدثنا أبوعبدالله محمد بن علي بن زيد الصائغ، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بزة، قال: سمعت عكرمة بن سليمان يقول: قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين، فلما بلغت، " والضحى " قال لي: " كَبِّر عند خاتمة كل سورة حتى تختم "، وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد، فأمره بذلك، وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك، وأخبره ابن عباس أن أبيَّ بن كعب أمره بذلك، وأخبره أبي بن كعب أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمره بذلك ".
قال الحاكم: " هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه " (8).
قال الحافظ ابن الجزري: " لم يرفع أحد حديث التكبير إلا البزي، وسائر الناس روَوْهُ موقوفاً على ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما ".
وروى الإمام الشافعي – رحمه الله – أنه قال:" إن تركت التكبير فقد تركت سنة من سنن نبيك عليه السلام " (9).
وجه الدلالة في الأثر السابق: أن قول الإمام الشافعي: " إن تركت التكبير فقد تركت .. ، يدل على أن التكبير ثابت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا يسعف الأثر القول بالوجوب، فيبقى على الندب.
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -: " وهذا يقتضي تصحيحه لهذا الحديث " (10).
فتعليق الحافظ ابن كثير على كلام الإمام الشافعي هذا يدل على ميله إلى تصحيح حديث التكبير.
وقال ابن كثير: " فهذه سنة تفرد بها أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدالله البَزِّي من ولد القاسم بن أبي بزة، وكان إمامًا في القراءات.
وحكى الشيخ شهاب الدين أبوشامة في شرح الشاطبية عن الشافعي أنه سمع رجلاً يكبر هذا التكبير في الصلاة، فقال: أحسنت وأصبت السنة، وهذا يقتضي صحة هذا الحديث " (11).
فقول الإمام الشافعي: " أحسنت وأصبت السنة " يعتبر دليلاً آخر من أدلة تصحيح حديث التكبير، وأنه ثابت عن النبي – صلى الله عليه وسلم -.
وقد ذكر محمد مكي نصر: أن الحفاظ قد اتفقوا على أن التكبير لم يرفعه أحدٌ إلى النبي صلى الله إلا البَزِّي، فقد روي عنه بأسانيد متعددة، ورواه الحاكم في مستدركه علىالصحيحين عن أبي يحيى محمد بن عبدالله بن زيد الإمام بمكة عن محمد بن علي بن زيد الصائغ عن البزي وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجه الشيخان، وأما غير البزي فإنما رواه موقوفاً عن ابن عباس – رضي الله عنهما – (12).
من مجموع ما سبق يتبين أن حديث التكبير روي عند المحدثين مرفوعاً عن البزي، وروي موقوفاً عن ابن عباس، وعن غيره. والبزي: إمام في القراءة ثبت فيها، وذكره ابن حبان في الثقات، فقال مؤذن المسجد الحرام (13) وقال العقيلي: يوصل الأحاديث " (14).
¥