1 - حديث سفينة رضي الله عنه: "أن رجلاً أضافه عليّ رضي الله عنه، فصنع له طعاماً، فقالت فاطمة: لو دعونا رسول الله {، فأكل معنا. فدعوه، فجاء، فوضع يده على عضادتي الباب، فرأى قراماً في ناحية البيت، فرجع، فقالت فاطمة لعلي: الحقه، فقل له: ما رجعك يا رسول الله؟ فقال: إنه ليس لي أن أدخل بيتاً مزوقاً" (28). وهذا يدل على كراهة وضع الديكورات المتكلفة والزخارف المنمقة.
2 - وفي حديث عائشة: "أنه لما رأى عائشة قد سترت الجدار وقال: إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسوا الحجارة" (29).
3 - وقد خرج أبو أيوب من وليمة عرس بسبب الستائر التي على الجدران، قال سالم بن عبدالله: "أعرست في عهد أبي، فآذن أبي الناس، وكان أبو أيوب فيمن آذن، وقد ستروا بيتي بنجاد أخضر. فأقبل أبو أيوب، فرآني قائماً، واطلع فرأى البيت مستتراً بنجاد أخضر، فقال: يا عبدالله أتسترون الجدر؟ قال أبي: - واستحيا - غلبنا النساء يا أبا أيوب، فقال: من أخشى أن تغلبنه النساء فلم أخشى أن تغلبنك ثم قال: لا أطعم لكم طعاماً، ولا أدخل لكم بيتاً ثم خرج رحمه الله" (30).
وهذه الآثار تدل على أن الأفضل للمؤمن أن يكون أثاثه خالياً من التكلف في الديكورات التي لا فائدة فيها إلا الجمال والتحسين، وما علموا أن الجمال في البساطة، وأن الزخارف لم تذكر في القرآن إلا في معرض الذم؛ وذلك في قوله تعالى: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون 33 ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون 34 وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين 35 {الزخرف: 33 - 35}.
كما أننا نجد النبي {يحذر الصحابة من التكلف في الأثاث بسبل منها:
1 - أن يمتنع من دخول البيوت المزخرفة، فعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله {: "إنه ليس لنبي أن يدخل بيتاً مزوقاً" (31).
2 - أن يأمر بأبعادها عن قبلة المصلي ولو في النافلة، فعن عثمان الحجبي رضي الله عنه قال: قال رسول الله {: "إني نسيت أن آمرك أن تخمر القرنين، فإنه ليس ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي" (32).
3 - التنبيه على أن الأمة ستقع في الزخرفة بعد الفتوحات، وأن حال الصحابة في ذلك خير من حال أولئك، فعن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله {: "ستفتح عليكم الدنيا حتى تنجدوا بيوتكم كما تنجد الكعبة فأنتم اليوم خير من يومئذ" (33).
4 - التنبيه على أن ما لا حاجة له في البيت فإنه يدخل في الإسراف المنهي عنه، فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله {: "فراش للرجل وفراش لامرأته والثالث للضيف والرابع للشيطان" (34).
5 - أن أثاث بيته {كان بقدر الحاجة، مما جعل صحابته يقتدون به؛ لأنهم مأمورون باتباعه كما في قوله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم 31 {آل عمران: 31}، كما أنهم لشدة حبهم له {، ولكل ما يحبه يقتدون به حتى في الأمور البشرية غير التشريعية. ومما ورد في أثاثه {ما رواه ثابت قال: "أخرج لنا أنس بن مالك قدح خشب غليظاً مضبباً بحديد فقال: يا ثبات، هذا قدح رسول الله {" (35).
وأما فراشه {فقالت عائشة رضي الله عنه: "إنما كان فراش رسول الله {الذي ينام عليه من أدم حشوه ليف" (36).
وتبعه في ذلك كبار الصحابة رضي الله عنهم، فمن ذلك: ما رواه ابن المبارك في الزهد "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قدم الشام فتلقاه الأمراء والعظماء فقال: أين أخي أبو عبيدة؟ قالوا: يأتيك الآن، قال: فجاء على ناقة مخطومة بحبل، فسلم عليه، ثم قال للناس: انصرفوا عنا. فسار معه حتى أتى منزله، فنزل عليه، فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله، فقال عمر: لو اتخذت متاعاً أو قال شيئاً، فقال: يا أمير المؤمنين، إن هذا سيبلغنا المقيل" (37).
التحذير من الدين لأجل بناء ما لا حاجة إليه أو التأثيث المكروه:
لما توسع الناس في الرفاهية والمفاخرة في بناء البيوت وتأثيثها، لجأ كثير منهم إلى الاستدانة لأجل ذلك، وأخشى أن يأتي يوم يكون غالب المجتمع مديناً، لأجل أنظمة التقسيط التي فرضتها ميول الناس للرفاهية، وقد حذر المصطفى {من الدين في أحاديث منها:
¥