تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

القول الثاني: أنه لا ينقض به الاجتهاد،وهو الصحيح عند الحنابلة، واختاره ابن عبد الحكم من المالكية (14)،وهو الظاهر من صنيع الحنفية حيث لم يذكروه ضمن نواقض الاجتهاد (15).

ويظهر لي رجحان القول الأول وهو أن القياس الجلي ينقض به الاجتهاد، وذلك لأنه يورث غلبة ظن فلا يكون مساويا للاجتهاد السابق.

4ـ: النقض بالقواعد:

صرح بهذا الناقض بعض المالكية كالقرافي، وذكره الحصني من الشافعية، ونسبه ابن النجار لمالك، ونقله القرافي عن جماعة من العلماء وذكر أنهم نسبوه للمذاهب (16).

ولكن هل مرادهم كل قاعدة فيندرج في ذلك القواعد الظنية والقطعية أو يختص ذلك بالقواعد الظنية فيه احتمالان، والظاهر لي أن النظر في القواعد مرتبط بكون القاعدة دليلا أو بما استندت إليه من دليل، فإن كانت قطعية بذاتها أو بما استندت إليه أو قريبة من القطعية بحيث تورث الظن الغالب فينقض بها،وإن لم تكن كذلك فمجرد الظن لا ينقض به لاستوائه مع الاجتهاد في الرتبة.

5ـ: تقض الاجتهاد بالاجتهاد الظني.

اتفق الأصوليون في الجملة على أنه لا نقض في المسائل الاجتهادية، وأن الاجتهاد لا ينقض بمثله، واشتهر عند العلماء قاعدة الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد أو بمثله (17)، ولكن نقل بعضهم خلافاً في المسألة فقد ذكر المقري أن للمالكية قولين في نقض الاجتهاد بالظن، ونقله بعضهم عن ابن القاسم من المالكيةونقله ابن قدامة عن داود وأبي ثور، ورجحه ابن بدران (18).

ولعل هذا إنما يراد به الظن الغالب وليس مجرد الظن، ولذا قيدوه بقولهم ما (بان) أي ما اتضح وظهر ظهوراً لا خفاء فيه، ولعل هذا أيضا هو مراد من نقل عنه المقري إطلاق القول بنقض الاجتهاد بالظن.

وأهم أدلة هذه القاعدة إجماع الصحابة، فقد دلت آثار كثيرة تغير فيها اجتهادهم فلم ينقضوا الاجتهاد الأول بالثاني، ومنها:

ـ أن أبا بكر سوى بين الناس في العطاء وخالفه عمر فلم ينقض حكمه واجتهاده، ثم جاء علي فحكم بحكم أبي بكر ولم ينقض حكم عمر (19).

ـ أن عمر حكم في المشركة ـ وهي زوج وأم وأخوة لأم وأخوة أشقاء ـ فأشرك بين الأخوة في الثلث،فقيل له: إنك لم تشرك بينهم عام كذا وكذا، فقال:" تلك على ما قضينا يومئذ، وهذا على ما قضينا " (20).

ـ أن عمر قضى في الجد،وقال:" إني قد قضيت في الجد قضيتات مختلفة لم آل فيها عن الحق" (21)،وقال له عثمان حينما استشار الصحابة: " إن نتبع رأيك فإن رأيك راشد،وإن نتبع رأي الشيخ قبلك فنعم ذو الرأي كان " (22)، فعمر لم ينقض رأي الشيخ أبي بكر.

ثانيا: ما يقع فيه النقض.

خلاصة هذا المبحث ما يلي:

أولا: لو اجتهد مجتهد لنفسه فزوج نفسه امرأة دون ولي ثم تغير اجتهاده فرأى أنه زواج باطل، فهل ينقض اجتهاده الأول مطلقاً،أو لا ينقضه أو يفرق بين ما إذا حكم به حاكم قبل تغيره أو لا؟.اختلف الأصوليون في هذه المسألة على أقوال (23)، والذي يظهر أن الاجتهاد ينقض إن لم يتصل به حكم الحاكم، أما إن اتصل به حكم الحاكم فالقول بالنقض فيه مفسدة اضطراب الأحكام، والقول بعدم النقض فيه مفسدة استدامة ما يعتقد خلافه، ولا سيما وهو مجتهد ولا ينبغي له تقليد غيره في الأصل، وبما أن المفسدة الأولى ظنية التحقق إذ لا يحصل اضطراب الأحكام بمجرد نقض حكم واحد، كما أنه يمكن تلافيها بعد إظهار المجتهد نقض الحكم، بخلاف المفسدة الثانية فهي قطعية التحقق ولا يمكن تلافيها بأي حال ولذا فيظهر لي رجحان القول الثالث وهو أنه ينتقض مطلقا لكن ينبغي عدم إظهار ذلك لمصلحة الحكم، وبهذا تتحقق المصلحتان العامة والخاصة فيما يظهر لي.

ثانيا: إن أفتى المجتهد بقول للعامي ثم تغير اجتهاده فأخذ بقول آخر في المسألة فهل يجب على المقلد أن ينتقل إلى القول الآخر أو يستمر بعمله في الاجتهاد الأول ولا ينقضه أو يفرق بين ما إذا حكم به حاكم أو لا؟.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير