اتفق الأصوليون على أن المجتهد إذا اجتهد لغيره وحكم به غيره ثم تغير اجتهاده فأنه لا ينقض اجتهاده الأول (24). أما إذا لم يحكم به حاكم فاختلف الأصوليون في هذا المسألة على أقوال، لعل أرجحها هو أنه لا ينقض الاجتهاد الأول، وللمقلد أن يستمر في عمله بالاجتهاد السابق؛ لأن الاجتهاد الثاني ظن لا ينقض به الاجتهاد الأول لتساويهما في الرتبة، ولأنه يلزم من ذلك اضطراب الأحكام فيما بين الناس بحسب تغير اجتهادات المجتهدين، لكن إن كان المجتهد قد خالف في اجتهاده الأول قطعيا بحيث يكون القول بغيره زلة عالم أو قولا شاذ لا يعول عليه فإنه لا ينبغي حينئذ القول بعدم النقض، ولعل هذا هو مراد ابن القيم حينما ذكر أنه إن لم يفت أحد بموافقته في اجتهاده الأول فينقض، ولأجل هذا حمل ابن القيم ما جاء عن ابن مسعود أن رجلا سأله وقد تزوج امرأة فرأى أمها فأعجبته فأمره أن يفارقها ثم يتزوج بأمها فتزوجها فولدت له أولادا،ثم إن ابن مسعود أتى المدينة فسأل عن ذلك فأخبروه أنها لا تحل له، فلما رجع إلى الكوفة أمره بفراقها فقد حمله ابن القيم على أن ابن مسعود لما ناظر الصحابة بينوا له مخالفته لصريح القرآن في قوله تعالى: (وأمهات نسائكم)،وظن أن قوله: (اللاتي دخلتم بهن) راجع إلى الأمهات والبنات، فلما عرف الحق رجع عن اجتهاده ونقضه لمخالفته لنص صريح (25).
وختاما الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وكتب أبو عبد الملك الودعاني.
(1) انظر الإحكام (4/ 203) العدة (5/ 1569) الفروق (2/ 109).
(2) انظر فصول البدائع (2/ 383).
(3) انظر المحصول (6/ 65) العدة (5/ 1569) شرح اللمع (2/ 1065) الفروق (2/ 109)
(4) عرفها أكثر الحنفية بأنها خبر كان من الآحاد ابتداء ثم اشتهر في العصر الثاني حتى رواه جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب، انظر أصول السرخسي (1/ 292) الفصول في الأصول (3/ 48.
(5) يفهم هذا ممن اشترط القطع وقد صرح به بعضهم انظر المستصفى) 2/ 382) المحصول (4/ 203) البحر المحيط (6/ 268) التقرير والتحبير) 3/ 335 (.
(6) انظر الإنصاف (11/ 223) شرح الزركشي على الخرقي (7/ 261) شرح الكوكب المنير (4/ 505).
(7) انظر روضة الطالبين (8/ 136) نهاية المحتاج (8/ 258) مغني المحتاج (6/ 293) نهاية الوصول (8/ 3879).
(8) انظر الإحكام (4/ 203) نهاية الوصول (8/ 3879) البحر المحيط (6/ 268) التقرير والتحبير (3/ 335) فواتح الرحموت (2/ 395) شرح الكوكب المنير (4/ 505) شرح تنقيح الفصول (441)
(9) المحصول (6/ 65).
(10) شرح الكوكب المنير (4/ 505) وانظر المدخل (384).
(11) انظر الإنصاف (11/ 244) الفروع (6/ 456) شرح الكوكب المنير (4/ 505).
(12) انظر ما سيأتي من المراجع. والقياس الخفي: هو ما لم يقطع فيه بنفي الفارق، وقيل ما لا يتبين إلا بإعمال فكر، والجلي: ما قطع فيه بنفي الفارق أو نص أو أجمع على علته، وقيل غير ذلك. انظر اللمع (99) البحر المحيط (5/ 36)
(13) انظر نظر الأم (6/ 288) شرح تنقيح الفصول (441) مواهب الجليل (6/ 36) الحاوي (16/ 173) المستصفى (2/ 382) بيان المختصر (3/ 327).
(14) انظر العدة (5/ 1569) التمهيد (4/ 332) الإنصاف (11/ 244) نشر البنود (2/ 326).
(15) كالمرغيناني والعيني وابن الهمام وابن نجيم وابن عبد الشكور وأمير بادشاه والأنصاري اللكنوي.
(16) انظر لفروق (2/ 109) الذخيرة (10/ 139) القواعد للحصني (3/ 339) إيضاح المسالك (61) شرح الكوكب المنير (4/ 506).
(17) انظر الإحكام (4/ 203) مختصر المنتهى مع شرح العضد (2/ 300)، جمع الجوامع حاشية البناني (2/ 602)،ولها كقاعدة: المنثور في القواعد (1/ 93) الأشباه والنظائر للسيوطي (101) غمر عيون البصائر (1/ 325)
(18) انظر القواعد للمقري (2/ 372) الجامع لأحكام القرآن (11/ 312) المغني (14/ 34) المدخل (384).
(19) الأموال لأبي عبيد.
(20) رواه عبد الرزاق (10/ 249ـ19005) والبيهقي (10/ 1120).
(21) رواه عبد الرزاق (10/ 262ـ19045).
(22) رواه عبد الرزاق (10/ 263ـ19051).
(23) انظر المستصفى (2/ 388) التقرير والتحبير (3/ 335) الإحكام (4/ 203) روضة الناظر (2/ 384).
(24) انظر الإحكام (4/ 203) مختصر المنتهى مع حاشية العضد (2/ 300).
(25) انظر إعلام الموقعين (4/ 173).
ـ[أشرف بن محمد]ــــــــ[22 - 06 - 05, 02:27 ص]ـ
جزاك الله خيراً