تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن قيل: كيف يكون قوم فرعون مشركين؟ وقد أخبر الله عن فرعون/ أنه جحد الخالق فقال: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 23]، وقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38] وقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24]،وقال عن قومه: {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 13، 14]، والإشراك لا يكون إلا من مقر بالله، وإلا فالجاحد له لم يشرك به.

قيل: لم يذكر الله جحود الصانع إلا عن فرعون موسى، وأما الذين كانوا في زمن يوسف فالقرآن يدل على أنهم كانوا مقرين بالله، وهم مشركون به؛ ولهذا كان خطاب يوسف للملك وللعزيز ولهم يتضمن الإقرار بوجود الصانع، كقوله: {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}، {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ} إلى قوله: {إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} [يوسف: 50]، {وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} إلى قوله: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [يوسف: 52، 53]، وقد قال مؤمن آل حم: {وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا} [غافر: 34]، فهذا يقتضي أن أولئك الذين بعث إليهم يوسف كانوا يقرون بالله.

ولهذا كان أخوة يوسف يخاطبونه قبل أن يعرفوا أنه يوسف، ويظنونه من آل فرعون بخطاب يقتضي الإقرار بالصانع، كقولهم: {تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} [يوسف: 73] وقال لهم: {أَنتُمْ} [يوسف: 77]، وقال: {مَعَاذَ اللّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ} [يوسف: 79] وقالوا له: / {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف: 88]، وذلك أن فرعون ـ الذي كان في زمن يوسف ـ أكرم أبويه وأهل بيته لما قدموا إكرامًا عظيمًا مع علمه بدينهم، واستقراء أحوال الناس يدل على ذلك.

فإن جحود الصانع لم يكن دينًا غالبًا على أمة من الأمم قط، وإنما كان دين الكفار الخارجين عن الرسالة هو الإشراك، وإنما كان يجحد الصانع بعض الناس، وأولئك كان علماؤهم من الفلاسفة الصابئة المشركين، الذين يعظمون الهياكل والكواكب والأصنام، والأخبار المروية من نقل أخبارهم وسيرهم كلها تدل على ذلك، ولكن فرعون موسى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف: 54] وهو الذي قال لهم ـ دون الفراعنة المتقدمين ـ: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38]، ثم قال لهم بعد ذلك: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} [النازعات: 24، 25] نكال الكلمة الأولى، ونكال الكلمة الأخيرة، وكان فرعون في الباطن عارفًا بوجود الصانع وإنما استكبر كإبليس وأنكر وجوده، ولهذا قال له موسى: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ} [الإسراء: 102] فلما أنكر الصانع، وكانت له آلهة يعبدها بقى على عبادتها ولم يصفه الله ـ تعالى ـ بالشرك، وإنما وصفه بجحود الصانع وعبادة آلهة أخرى. والمنكر للصانع منهم مستكبر كثيرًا ما يعبد آلهة، ولا يعبد الله قط، فإنه يقول: هذا العالم واجب الوجود بنفسه. وبعض أجزائه مؤثر في بعض، ويقول: إنما انتفع بعبادة الكوكب والأصنام، ونحو ذلك؛ ولهذا كان باطن قول هؤلاء الاتحادية، المنتسبة إلى الإسلام هو قول فرعون.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير