حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا توتروا بثلاث تشبهوا بصلاة المغرب، ولكن أوتروا بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة ركعة أو أكثر من ذلك ".
رواه الحاكم في المستدرك (1137) و البيهقي (4594) و محمد بن نصر في كتاب الوتر (54) و قال: إسناد صحيح. و الحديث قد صححه العراقي الحافظ، كما في (نيل الأوطار 3/ 43) و جزم بصحته الإمام ابن القيم كما في (أعلام الموقعين 2/ 373) ... و ليس ذلك ببعيد، فإن رواته كلهم ثقات إلا أبا الحسين طاهر بن عمرو بن الربيع ابن طارق بن قرة بن نهيك بن مجاهد الهلالي بمصر، ولم أر أحدَا ضعفه، ولم يذكره صاحب الميزان و لا اللسان. قلت: و ذكر الشيخ إسماعيل الأنصاري في تصحيح حديث ابن خصيفة (33)، أنه هو: حبشي بن عمرو، و روى عنه الإمام ابن خزيمة، و الحسن بن حبيب الدمشقي، مع الحافظ الأصم، فهو معروف و حديثه مقارب. و قد أخرجه البيهقي في الكبرى (3/ 31) من طريق جعفر بن ربيعة عن عراك به موقوفًا على أبي هريرة، و رواته ثقات، و هذا لا يضر بل هو في حكم الرفوع. من حاشية السنن الصغرى (1/ 309).
قلت: طاهر بن عمرو هو حبشي كما ذكر عن الشيخ الأنصاري، و ترجمته موجودة في (موضح أوهام الجمع و التفريق للخطيب البغدادي 2/ 190)، وكتاب (تهذيب مستمر الأوهام لابن ماكولا 1/ 223)، و (نزهة الألباب في الألقاب للحافظ العسقلاني 1/ 193)،
و له شواهد كثيرة، منها ...
عن عتبة بن محمد بن الحارث أن كريبًا مولى ابن عباس أخبره: " أنه رأى معاوية صلى العشاء ثم أوتر بركعة واحدة لم يزد عليها فأخبر ابن عباس، فقال: أصاب أي بنى ليس أحد منا أعلم من معاوية. هي واحدة أو خمس أو سبع إلى أكثر من ذلك، الوتر ما شاء".
أخرجه البخاري في الصحيح (3764)، و البيهقي في الكبرى (4572) و اللفظ له، و رواه عبد الرزاق في المصنف (4641) و الشافعي في مسنده (547)، و رجاله رجال الصحيح ما خلا عتبة بن محمد بن الحارث، و حديثه حسن في الشواهد.
عن يحيى بن أبي كثير قال:كتب إليّ أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود أما بعد فإني أخبرك عن هدي عبد الله بن مسعود في الصلاة وفعله وقوله فيها .... حتى إذا كان من آخر الليل قام فأوتر ما قدر الله من الصلاة إما تسعًا وإما سبعًا أو فوق ذلك ... الحديث "، رواه الطبراني في الكبير (9942)، و قد صحح جمع من الأئمة حديث عبيدة عن أبيه و إن لم يسمع منه.
وعن عطاء قال:" ثلاث أحب إليّ من واحدة، وسبع أحب إليّ من خمس، وما كثر فهو أحب إليّ " رواه عبد الرزاق في المصنف (4649).
و مما يدل على إطلاق نافلة الليل؛
حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل؟ فقال رسول الله عليه السلام: " صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى " متفق عليه
قال الحافظ العراقي رحمه الله في (طرح التثريب): " المراد أنه يسلم من كل ركعتين من غير حصر في عدد، ولهذا عقبه بقوله:" فإذا خشيت الصبح " فدل على أنه يصلي من غير حصر بحسب ما يتيسر له من العدد، إلا أنه يكون على هذا الوجه؛ وهو السلام من كل ركعتين إلا أن يخشى الصبح فيضيق حينئذ وقت صلاة الليل فيتعين الإتيان بآخرها وخاتمتها وهو الوتر وهذا هو الذي فهمه منه جميع الناس ".اهـ
و قال الباجي رحمه الله في (المنتقى1/ 220):- و لا غاية لأكثرها، و إنما ذلك على قدر طاقة المصلي، و الدليل على ذلك أنه قال: " مثنى مثنى، فلم يحدّ بحدّ. و الثاني أنه قال: " فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة "، فجعل غاية ذلك أن يخشى الصبح، و لم يجعل غايته عددًا.اهـ
و قد ورد بلفظ:" فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة ... إلخ "، وهنا علقه بإرادة الانصراف وهو أعم من أن يكون لخشية طلوع الفجر أو غير ذلك ". و في كل الأحوال فإنه لم يعتبر بعدد، بل جعل غاية الصلاة و أقصاها طلوع الفجر، سواء قلّت الركعات أو كثرت.
وهذا هو الذي فهمه عبد الله بن عمر نفسه من الحديث، و هو راويه، و تفسيره أولى، حيث قال:" إذا كنت لا تخاف الصبح ولا النوم فاشفع ثم صل ما بدا لك ثم أوتر "، ذكره الحافظ في (الفتح 2/ 481) عن سعيد بن منصور.
¥