و روى نافع عنه - رضي الله تعالى عنه -: " أنه كان يحيي الليل صلاة ثم يقول: يا نافع أسْحَرْنا؟ فيقول: لا. فيعاود الصلاة ثم يقول: يا نافع أسحرنا؟ فيقول: نعم. فيقعد ويستغفر ويدعو حتى يصبح ".
رواه الحافظ أبو نعيم في الحلية (1/ 303)، قال: حدثنا سليمان بن أحمد ثنا ابن يزيد القراطيسي ثنا أسد بن موسى ثنا الوليد بن مسلم ثنا ابن جابر حدثني سليمان بن موسى عن نافع به. و رجاله كلهم ثقات عدول و فيهم أئمة حفاظ.
و قوله " أَسْحَرْنا؟ " يعني هل دخلنا في السحر؟. و فيه من البيان أنه لم يكن منشغلا بغير الوقت الذي وضعه الشارع كعلامة للكف عن الصلاة، و في هذا المعنى قول رسول الله صلى الله عليه و سلم في أذان السحر: " ليَرْجِعَ قائمكم "، أي: ليعود من قيامه فيبادر إلى صلاة الوتر قبل حلول الفجر. فجعل اقتراب نهاية الصلاة إلى أذان الفجر الأول و ليس إلى عدد.
و يبيّن هذا أكثر حديثُ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام؛ كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا ". رواه البخاري (3238) و مسلم (1159) و غيرهما.
ففي هذا الحديث إرشاد من النبيّ صلى الله عليه و سلم إلى الوقت الذي يستحب أن يشغله المتعبد بالصلاة و لم يوقت له بعدد.
و مما يدلك على عدم التفات السلف إلى عدد، ما رواه الأنف بن قيس، قال: " دخلت مسجد دمشق فإذا رجل يكثر الركوع والسجود، قلت: لا أخرج حتى أنظر أَعَلى شفع يدري هذا ينصرف أم على وتر؟ فلما فرغ قلت: يا عبد الله أعلى شفع تدري انصرفت أم على وتر؟ فقال: إن لا أدري فإن الله يدري ثم قال: إني سمعت خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه خطيئة. قلت: من أنت رحمك الله؟ قال: أنا أبو ذر. قال: فتقاصرت إليّ نفسي ".
أخرجه أحمد في المسند (21490) و الدارمي في سننه (1461) و اللفظ له.قال الهيثمي في الزوائد (2/ 248 - 249): رواه أحمد و البزار بنحوه بأسانيد وبعضها رجاله رجال الصحيح.
و هو الأمر الذي كان عليه العُمَران رضي الله عنهما و أقرّهما عليه النبي صلى الله عليه و سلم؛
فقد روى عبد الرزاق في المصنف (4615) عن ابن جريج قال: أخبرني ابن شهاب عن ابن المسيب: " أن أبا بكر وعمر تذاكرا الوتر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أما أنا فأنام على وتر، فإن استيقظت صليت شفعًا حتى الصباح. وقال عمر: لكني أنام على شفع ثم أوتر من السحر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: حذر هذا، وقال لعمر: قوي هذا ".
و رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 342) من طريق الليث عن ابن شهاب به. و هو حديث صحيح على شرط الشيخين.
و هذا أمر لم يختلف فيه إثنان من الصحابة رضي الله عنهم؛
فعن عمار بن ياسر وقد سئل عن الوتر؟ فقال:" أما أنا فأوتر قبل أن أنام فإن رزقني الله شيئا صليت شفعًا شفعًا إلى أن أصبح "
وسئل رافع بن خديج رضي الله عنه عن الوتر؟ فقال:" أما أنا فإني أوتر من أول الليل فإن رزقت شيئا من آخره صليت ركعتين ركعتين حتى يدركني الصبح "
و عن أبي هريرة رضي الله عنه و قد سئل عن الوتر فقال: " أما أنا فأوتر ههنا بخمس ثم أرجع فأرقد فإن استيقظت صليت شفعًا حتى أصبح "
روى ذلك عبد الرزاق في المصنف برقم (4620 و4621 و 4622)
و هذا أمر يطول لو استقصيناه، و حسبنا أن الأخبار كلها متفقة على أن السلف لم ينقل عن أحد منهم أنه منع من الزيادة على عدد معيّن، بل كلهم قد جعل لها أمدًا و هو صلاة الفجر. و ما لم تُصَلَّ الصبح فإنّ المصلي له أن يصلي من الركعات ما يشاء، لا يمنعه من ذلك إلا الوقت، كما ورد عند ابن خزيمة (1091) و غيره: " فإذا كان الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل و الوتر"
فعن أبي مجلز، أن أسامة بن زيد وابن عباس قالا: " إذا أوترت من أول الليل ثم قمت تصلي، فصل ما بدا لك واشفع بركعة ثم أوتر "، رواه ابن أبي شيبة (6728).
¥