و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " أصلي كما رأيت أصحابي يصلون؛ لا أنهى أحدًا يصلي بليل ولا نهار ما شاء، غير أن لاتحرّوا طلوع الشمس ولا غروبها "، أخرجه البخاري في صحيحه (564).
وعن سمرة رضي الله عنه قال: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي من الليل ما قل أو كثر ونجعل آخر ذلك وترًا ".
رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير وأبو يعلى، وللبزار في رواية: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نصلي كل ليلة بعد الصلاة المكتوبة "، نحوه وإسناده ضعيف كذا في (الزوائد2/ 252). و الأمر هنا للندب.
هذا، و قد ورد الترغيب في الإكثار من الصلاة مطلقًا في أحاديث عديدة منها؛ حديث أبي ذر رضي الله عنه: " الصلاة خير موضوع فمن شاء أقل و من شاء أكثر ... الحديث " رواه ابن حبان (361) و صححه كما في الفتح (2/ 479) و الحاكم في المستدرك (2/ 652) و صححه الشوكاني في النيل (3/ 373)
قال المناوي رحمه الله (4/ 247): الصلاة خير موضوع بإضافة خير إلى موضوع أي أفضل ما وضعه الله أي شرعه من العبادات فمن استطاع أن يستكثر منها فليستكثر".اهـ
و يحسن أن أذكر في هذا المقام شبهة نقلها الشيخ الألباني رحمه الله عن الشيخ علي محفوظ من كتابه (الإبداع) و هي قوله: " و علمت أن التمسك بالعمومات مع الغفلة عن بيان الرسول بفعله و تركه، هو اتباع المتشابه الذي نهى الله عنه، و لو عوّلنا على العمومات و صرفنا النظر عن البيان لانفتح بابٌ كبير من أبواب البدعة لا يمكن سدّه أ و لا يقف الإختراع في الدين عند حد ... ثم ضرب مثالاً بحديث " الصلاة خير موضوع " فقال: لو تمسكنا بعموم هذا الحديث، كيف تكون صلاة الرغائب بدعة مذمومة؟ و كيف تكون صلاة شعبان بدعة مذمومة مع دخولهما في عموم الحديث؟ " اهـ
قلت: ليست هذه من تلك؛ فصلاة الليل قد بيّن النبي صلى الله عليه و سلم مشروعيتها بفعله و قوله و تقريره، بل و رغّب في الإكثار منها كما قال عليه السلام: " إن عبد الله رجل صالح لو كان يكثر الصلاة من الليل "، قال الزهري: وكان عبد الله بعد ذلك يكثر الصلاة من الليل " رواه البخاري (6626). و أما الذم في صلاة الرغائب و غيرها فليس متعلقًا بالصلاة و إنما هو متعلق بما قُصد بها، من فضيلة خاصة بتلك الليلة. و لذلك فلو أن أحدًا كان له ورد بالليل و وافق ليلة النصف من شعبان أو ليلة الجمعة، فإنه لا يتعلق به ذمّ و لا تعتبر صلاته تلك بدعة، ذلك لأنّ الصفة إنما هي تبع للمقاصد في العبادات؛ وهذا كمن أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل الشروق أو أدرك ركعة من صلاة العصر قبل الغروب فإنه لا يقال عنه أنه يشارك المشركين و عُبّاد الشمس في شركهم، على الرغم من ورود النهي عن الصلاة في ذينك الوقتين خاصة.
هذا، و تمسك مَن منع من الزيادة على إحدى عشرة ركعة بظاهر حديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه الشيخان و غيرهما و فيه:
" ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة؛ يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا. فقالت عائشة: فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي ".
قالوا:- اقتصاره صلى الله عليه و سلم على الإحدى عشرة ركعة دليل على عدم جواز الزيادة عليها.
و هذا شيء لم يقل به أحد من السلف؛
فعن ابن جريج عن عطاء قال: قلت له: " أنقتصر على وتر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: بل زيادة الخير أحبّ إليّ " رواه عبد الرزاق في مصنفه (4716).
وقال ابن القاسم: " وسألت مالكا عن الرجل يوتر في المسجد ثم يريد أن يتنفل في المسجد؟ قال: يترك قليلا ثم يقوم فيتنفل ما بدا له، قلت: فإن أوتر في المسجد ثم انقلب إلى بيته أيركع إن شاء؟ قال: نعم ".اهـ من المدونة (1/ 437)
و قال الإمام الشافعي رحمه الله: " ... و ليس في شيء من هذا ضيق، و لا حدّ يُنتهى إليه لأنه نافلة ... " اهـ من كتاب (قيام رمضان لابن نصر ص 96)
¥