و قال الإمام أحمد في الرجل يصلي شهر رمضان بقوم فيوتر بهم وهو يريد يصلي بقوم آخرين: " يشتغل بينهم بشيء بأكل أو شرب أو يجلس "، رواه المروزي وذلك لأنه يكره أن يوصل بوتره صلاة فيشتغل بينهم بشيء ليكون فصلاً بين وتره وبين الصلاة الثانية. وهذا إذا كان يصلي بهم في موضعه، أما في موضع آخر فذهابه فصلٌ، ولا يعيد الوتر ثانية " لا وتران في ليلة ".اهـ من (بدائع الفوائد4/ 919)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد موقت عن النبى صلى الله عليه و سلم لا يزاد فيه ولا ينقص منه، فقد أخطأ ".اهـ من (مجموع الفتاوى 22/ 272)
وقال الحافظ ابن عبد البر في (التمهيد 13/ 214): " أكثر ما روي عنه من ركوعه في صلاته بالليل صلى الله عليه وسلم ما روي في هذا الخبر عن ابن عباس من حديث كريب هذا وما كان مثله، وليس في عدد الركعات من صلاة الليل حد محدود عند أحد من أهل العلم لا يتعدى، وإنما الصلاة خير موضوع وفعل برّ وقربة، فمن شاء استكثر ومن شاء استقل، والله يوفق ويعين من يشاء برحمته لا شريك له ".اهـ
و قال القاضي عياض رحمه الله: " ولا خلاف أنه ليس في ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه، وأن صلاة الليل من الطاعات التي كلما زاد فيها زاد الأجر، وإنما الخلاف في فعل النبيّ صلى الله عليه و سلم وما اختاره لنفسه والله أعلم ".اهـ من شرح مسلم للنووي (6/ 19).
و قال الحافظ العراقي في (طرح التثريب): " وقد اتفق العلماء على أنه ليس له حد محصور " يعني قيام الليل.
يقول العبد الضعيف: و مع ذلك، فإنّ كون النبيّ صلى الله عليه و سلم اقتصر على إحدى عشرة ركعة فيه نظر، فقد ثبت أنه صلى أكثر من ذلك؛
صلى ثلاث عشرة ركعة، و الحديث في ذلك عن عائشة نفسها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين "، رواه البخاري برقم (1117) من طريق عروة. و مسلم برقم (738) من طريق أبي سلمة.
ولما كان هذا الحديث مخالفًا لحديث الإقتصار على الإحدى عشر، فقد حاول بعض العلماء الجمع بينهما بما لا يوافَق عليه؛ قال الحافظ رحمه الله في (الفتح 3/ 21): " فظاهره يخالف ما تقدم، فيحتمل أن تكون أضافت إلى صلاة الليل سنة العشاء لكونه كان يصليها في بيته، أو ما كان يفتتح به صلاة الليل فقد ثبت عند مسلم من طريق سعد بن هشام عنها أنه كان يفتتحها بركعتين خفيفتين، وهذا أرجح في نظري لأن رواية أبي سلمة التي دلت على الحصر في إحدى عشرة جاء في صفتها عند المصنف وغيره " يصلي أربعا ثم ثلاثا "،فدل على أنها لم تتعرض للركعتين الخفيفتين وتعرضت لهما في رواية الزهري، والزيادة من الحافظ مقبولة، وبهذا يجمع بين الروايات ".اهـ قلت: لكن قد ورد في الرواية التي دلّت على الحصر من وجه آخر عند مسلم و غيره: " يسلم بين كل ركعتين ".
و استظهر الشيخ الألباني رحمه الله في رسالته (صلاة التراويح ص17) أن تكون الركعتان الخفيفتان اللتان ذُكرتا في بعض الأحاديث ضمن الثلاث عشرة ركعة، هما سنة العشاء. و لا يخفى بُعد هذا القول و ذاك، خاصة مع قول عائشة رضي الله عنها: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يخلو – و في رواية: يفرغ - من صلاة العشاء، وهي التي يدعو الناس العتمة، إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة "، رواه مسلم (736) و غيره.
ففي هذا الحديث أغلقت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كل المنافذ فلم تدع مجالاً لحشر أي صلاة، مهما كانت خفيفة. و عليه فلا سبيل إلى الخروج من هذا التعارض إلا بالقول بتنوّع الصلاة و تعددها على أحوال و أوقات مختلفة.
قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله (2/ 193): " قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في بعض الليالي أكثر مما يصلي في بعض، فكلُّ مَن أخبر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو من أزواجه أو غيرهن من النساء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى من الليل عددًا من الصلاة أو صلى بصفة فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة في بعض الليالي بذلك العدد وبتلك الصفة ".اهـ
¥