وكذلك الحال لو كان ذلك عن طريق الهاتف كأن يتصل أحد الناس فتجيبه الزوجة فيقول:السلام عليكم، أين فلان؟ أو نحوا من هذا، أو تتصل امرأة تريد محادثة أختها، فيجيبها الزوج فتقول:السلام عليكم أين فلانة؟ لكن ينبغي على المرأة في هذه الحالات كلها ألا تسترسل في الحديث، ولا تخضع بالقول، وقد بوب البخاري في صحيحه بابا بعنوان:باب تسليم الرجال على النساء والنساء على الرجال، وقال ابن حجر في شرحه: (أشار بهذه الترجمة إلى رد ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن يحي بن أبي كثير:بلغني أنه يكره أن يسلم الرجال على النساء، والنساء على الرجال، وهو مقطوع أو معضل، والمراد بجوازه:أن يكون عند أمن الفتنة) (فتح الباري11/ 36) وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن الحسن البصري عكس ما ذكره يحي بن أبي كثير فقال: (كن النساء يسلمن على الرجال) (صحيح الأدب المفرد ص398 وقال الألباني:حسن الإسناد)، وقد أخرج البخاري في صحيحه ما يبين أن سلام الرجال المأمونين على النساء المأمونات كان معمولا به بينهم زمن الرسول ? وأصحابه، فعن سهل قال: (كنا نفرح يوم الجمعة، قلت:ولم؟ قال:كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة - نخل بالمدينة- فتأخذ من أصول السلق فتطرحه في قدر، وتكركر حبات من شعير، فإذا صلينا الجمعة انصرفنا ونسلم عليها، فتقدمه إلينا فنفرح من أجله، وما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة) (أخرجه البخاري كتاب الاستئذان رقم 5779) ففي هذا الحديث أنهم كانوا يسلمون على المرأة، قال ابن بطال: (سلام الرجال على النساء، والنساء على الرجال جائز، إذا أمنت الفتنة) (فتح الباري11/ 37)
وقد فصَّل بعض أهل العلم بين الشابة والعجوز، فأجاز السلام في حالة العجوز ومنعه في حالة الشابة، وبعضهم فرق بين الجميلة وغيرها، فمنع منه في حالة الجميلة وأجازه في غيرها، لكن من أين لنا العلم أن هذه جميلة وتلك غير جميلة؟ إلا إذا كانت كاشفة، والضابط الذي ينبغي أن يعول عليه هو أمن الفتنة، فإذا أمنت الفتنة جاز السلام والرد من الطرفين.
ولا شك أن كون المرأة عجوزا أو غير جميلة يكون من موانع الفتن، وإن كان الأمر كما قال القائل:لكل ساقطة لاقطة.
ومما يمنع الفتنة أيضا أن يكون السلام من فرد من أحد الجنسين على مجموعة من الجنس الآخر، مما يعني عدم التخصيص الذي يحمل على ميل القلب، وينبغي أن يكون السلام من المرأة بصوت لا انكسار فيه ولا ضعف، امتثالا لقوله تعالى: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) كما أنه ينبغي أن يكون السلام سلاما باللسان، ليس مصافحة باليد، وليس لقاء يقف فيه الطرفان معا يتبادلان الكلمات ويتجاذبان أطراف الحديث، ويجريان الحوارات والمناقشات، فإن هذا ليس سلاما في عرف الشرع.
قال الحليمي: (كان النبي ? للعصمة مأمونا من الفتن، فمن وثق من نفسه بالسلامة فليسلم، وإلا فالصمت أولى) (نقله ابن حجر في الفتح، انظر فتح الباري11/ 37) , وقال النووي رحمه الله تعالى: (وأما النساء فإن كن جميعا سُلِّم عليهن، وإن كانت واحدة سلم عليها النساء، وزوجها وسيدها ومحرمها، سواء كانت جميلة أو غيرها، وأما الأجنبي فإن كانت عجوزا لا تشتهى استحب له السلام عليها، واستحب لها السلام عليه، ومن سلم منهما لزم الآخر رد السلام، وإن كانت شابة أو عجوزا تشتهى لم يسلم عليها الأجنبي، ولم تسلم عليه، ومن سلم منهما لم يستحق جوابا، ويكره رد جوابه، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور) (المنهاج شرح صحيح مسلم 14/ 212)
والسلام غير المصافحة وإن كانت المصافحة في فهم العامة تسمى سلاما، لأن المصافحة تعني إلصاق صُفح الكف بالكف، وإقبال الوجه على الوجه، وهذا يعني أن المصافحة لابد فيها من تلامس الأكف، وأما السلام فهو قول:السلام عليكم باللسان، أو الإشارة المفهمة إذا كانت بينها مسافة بعيدة (قد ورد في كراهة السلام بالإشارة ما أخرجه الترمذي بلفظ:ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف، لكن قال الترمذي: هذا حديث إسناده ضعيف، لكن أخرج النسائي في السنن الكبرى (6/ 92) عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ? قال:لا تسلموا تسليم اليهود والنصارى، فإن تسليمهم بالأكف والرؤوس والإشارة، قال ابن حجر:إسناده جيد، وقال:والنهي عن السلام بالإشارة مخصوص بمن قدر على اللفظ حسا وشرعا، وإلا فهي مشروعة لمن يكون في شغل يمنعه من التلفظ بجواب السلام، كالمصلي، والبعيد، والأخرس، وكذا السلام على الأصم).
ومصافحة الرجل للمرأة الأجنبية لا يجوز شرعا، قال ابن حجر: (ويستثنى من عموم الأمر بالمصافحة:المرأة الأجنبية، والأمرد الحسن) (فتح الباري11/ 57)، ومما يدل لذلك أن البيعة على الإسلام والتي شرعت فيها المصافحة لم يصافح فيها الرسول ? النساء عندما بايعهن، مما يدل على عدم جواز ذلك، قالت السيدة عائشة رضي الله عنها (ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ما يبايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك) (أخرجه البخاري كتاب التفسير رقم 4512، ومسلم كتاب الإمارة رقم 3470) وقد ورد الوعيد الشديد في مس الرجل للمرأة التي لا تحل له، كما قال رسول الله ?: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) (أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 20/ 211 وقال الألباني (صحيح الجامع 2/ 900):صحيح).
فوائد وأحكام دلَّ عليها الحديث:
وقد دل الحديث على كثير من الفوائد والأحكام فمن ذلك:
1. جواز خروج النساء للمسجد.
2. جواز جلوس النساء في المسجد.
3. جواز السلام بالإشارة عند الحاجة.
4. موعظة من يتوقع منه الخطأ، ولو قبل حدوثه.
5. كريم خلق النبي ? وشفقته على أمته، ودلالته لهم على الخير، وتحذيرهم من الشر.
6. السلام بين الرجال والنساء على الوجه المشروع، لا يعارض الأمر بحفظ اللسان.
7. كثرة وقوع إنكار المعروف من النساء.
8. جواز إطلاق لفظ الكفر على ما دون الشرك.
9. جواز موعظة الرجل المأمون للنساء، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
10. جواز المرور في المسجد عند الحاجة.
¥