وأبدع وابتدع وتبدّع: أتى ببدعةٍ، ومنه قوله تعالى «وَرَهْبَانِيّةً ابْتَدَعوها ما كَتَبْنَاها عليهم إلاّ ابْتِغَاءَ رِضْوانِ اللّه» وبدّعه: نسبه إلى البدعة، والبديع: المحدث العجيب، وأبدعت الشّيء: اخترعته لا على مثالٍ، والبديع من أسماء اللّه تعالى، ومعناه: المبدع، لإبداعه الأشياء وإحداثه إيّاها.
أمّا في الاصطلاح، فقد تعدّدت تعريفات البدعة وتنوّعت، لاختلاف أنظار العلماء في مفهومها ومدلولها.
فمنهم من وسّع مدلولها، حتّى أطلقها على كلّ مستحدثٍ من الأشياء، ومنهم من ضيّق ما تدلّ عليه، فتقلّص بذلك ما يندرج تحتها من الأحكام.
وسنوجز هذا في اتّجاهين.
«الاتّجاه الأوّل»
2 - أطلق أصحاب الاتّجاه الأوّل البدعة على كلّ حادثٍ لم يوجد في الكتاب والسّنّة، سواء أكان في العبادات أم العادات، وسواء أكان مذموماً أم غير مذمومٍ.
ومن القائلين بهذا الإمام الشّافعيّ، ومن أتباعه العزّ بن عبد السّلام، والنّوويّ، وأبو شامة.
ومن المالكيّة: القرافيّ، والزّرقانيّ.
ومن الحنفيّة: ابن عابدين.
ومن الحنابلة: ابن الجوزيّ.
ومن الظّاهريّة: ابن حزمٍ.
ويتمثّل هذا الاتّجاه في تعريف العزّ بن عبد السّلام للبدعة وهو: أنّها فعلُ ما لم يُعْهد في عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.
وهي منقسمة إلى بدعةٍ واجبةٍ، وبدعةٍ محرّمةٍ، وبدعةٍ مندوبةٍ، وبدعةٍ مكروهةٍ، وبدعةٍ مباحةٍ.
وضربوا لذلك أمثلةً
فالبدعة الواجبة: كالاشتغال بعلم النّحو الّذي يفهم به كلام اللّه ورسوله، وذلك واجب، لأنّه لا بدّ منه لحفظ الشّريعة، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب.
والبدعة المحرّمة من أمثلتها: مذهب القدريّة، والجبريّة، والمرجئة، والخوارج.
والبدعة المندوبة: مثل إحداث المدارس، وبناء القناطر، ومنها صلاة التّراويح جماعةً في المسجد بإمامٍ واحدٍ.
والبدعة المكروهة: مثل زخرفة المساجد، وتزويق المصاحف.
والبدعة المباحة: مثل المصافحة عقب الصّلوات، ومنها التّوسّع في اللّذيذ من المآكل والمشارب والملابس.
واستدلّوا لرأيهم في تقسيم البدعة إلى الأحكام الخمسة بأدلّةٍ منها:
أ - قول عمر رضي الله عنه في صلاة التّراويح جماعةً في المسجد في رمضان «نِعْمَتِ البدعةُ هذه».
فقد روي عن عبد الرّحمن بن عبد القاريّ أنّه قال: «خرجت مع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ليلةً في رمضان إلى المسجد، فإذا النّاس أوزاعٌ متفرّقون، يصلّي الرّجل لنفسه، ويصلّي الرّجل فيصلّي بصلاته الرّهْطُ.
فقال عمر: إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارئٍ واحدٍ لكان أمثل، ثمّ عزم، فجمعهم على أبيّ بن كعبٍ، ثمّ خرجت معه ليلةً أخرى، والنّاس يصلّون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه، والّتي ينامون عنها أفضل من الّتي يقومون.
يريد آخر اللّيل.
وكان النّاس يقومون أوّله».
ب - تسمية ابن عمر صلاة الضّحى جماعةً في المسجد بدعةً، وهي من الأمور الحسنة.
روي عن مجاهدٍ قال: «دخلت أنا وعروة بن الزّبير المسجد، فإذا عبد اللّه بن عمر جالس إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلّون في المسجد صلاة الضّحى، فسألناه عن صلاتهم، فقال: بدعة».
ج - الأحاديث الّتي تفيد انقسام البدعة إلى الحسنة والسّيّئة، ومنها ما روي مرفوعاً: «من سنَّ سُنَّةً حَسَنةً، فله أجرُها وأجرُ من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنَّ سُنّةً سيّئةً، فعليه وِزْرُها ووِزْرُ مَنْ عَمِلَ بها إلى يوم القيامة».
«الاتّجاه الثّاني»
3 - اتّجه فريق من العلماء إلى ذمّ البدعة، وقرّروا أنّ البدعة كلّها ضلالة، سواء في العادات أو العبادات.
ومن القائلين بهذا الإمام مالك والشّاطبيّ والطّرطوشيّ.
ومن الحنفيّة: الإمام الشّمنّيّ، والعينيّ.
ومن الشّافعيّة: البيهقيّ، وابن حجرٍ العسقلانيّ، وابن حجرٍ الهيتميّ.
ومن الحنابلة: ابن رجبٍ، وابن تيميّة.
وأوضح تعريفٍ يمثّل هذا الاتّجاه هو تعريف الشّاطبيّ، حيث عرّف البدعة بتعريفين:
الأوّل أنّها: طريقة في الدّين مخترعة، تضاهي الشّرعيّة، يقصد بالسّلوك عليها المبالغة في التّعبّد للّه سبحانه.
وهذا التّعريف لم يدخل العادات في البدعة، بل خصّها بالعبادات، بخلاف الاختراع في أمور الدّنيا.
¥