وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من وجهين متصلين برخصة في ترك الوضوء مما مست النار، واستثنى من جميع ما مست النار لحم الجزور أن يتوضأ منه، رواه الثقتان من أصحاب رسول الله (محمد) -صلى الله عليه وسلم-: البراء بن عازب، وجابر بن سمرة -رضي الله عنهما-، ففيما بينا من تمييز ما بين لحم الجزور ولحم الغنم ما يكتفي المسلمون بذلك ولا ينقبوا ولا يفتشوا؛ لأن المميز بينهما الذي ينزل الوحي عليه -صلى الله عليه وسلم-، ولا يغلط ولا يسهو.
والعجب من هؤلاء الذين ينكرون الوضوء من لحم الجزور، ثم لا يرضون حتى يعيبوا الآخذين به وهم بأجمعهم يرون الوضوء من الضحك في الصلاة.
فإذا قيل لأحدهم: أرأيت لو أن ضاحكاً ضحك نهاراه أجمع أيجب عليه الوضوء؟
فيقول: لا.
فيقال له: فإذا ضحك في الصلاة؟
فيقول: قد وجب عليه الوضوء وانتقضت الصلاة.
فيقال له: فافترى في الصلاة على آخر أو سب آخر، وكان بينهما من المنازعة إلى أن هجا بعضهم بعضاً، أو ما كان، أتوجب الوضوء عليه؟
فيقول: لا.
فيقال له: فلِم جعلت الضحك أعلى من الذي وصفنا من الكلام السيئ؟
فيقول: ما ذكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يستطيع أن يحتج في الفصل بينهما بأكثر من هذا.
فيقال له: فلِم عذرت نفسك إن اتبعت حديثاً منقطعاً مرسلاً، بإيجاب الوضوء على الضاحك في الصلاة، وعبت من توضأ من لحم الجزور، والحديثان متصلان أن الوضوء من لحم الجزور قد فعله رسول الله -صلى الله عليه (وسلم) - (أو) أمر به؟
فتصير عند ذلك حجته داحضة وكلامه متناقض.
-
- -
[2/ 523 - 525]
سئل إسحاق عن الواجب في الصلاة عندكم وعن ما لابد منه؟
(فقال): وأما ما سألت عن الواجب في الصلاة أيها هي فإن الصلاة كلها من أولها إلى آخرها واجبة، والذين يقولون (للناس): في الصلاة سنة وفيها فريضة، خطأ من المتكلم، لكن رسول الله -صلى الله عليه (وسلم) - حين بيّن لهم إقامة الصلوات بين فيها سننا تكلم فيها بين القوم، كنحو التسبيح في الركوع ثلاثاً فأعلى، ولا يجوز أن يقول: إن (من) سبح واحدة أو ثنتين إن صلاته فاسدة؛ لأنه قد سبح في الركوع.
وكذلك لو ترك تكبيرة ناسياً سوى الافتتاح إن صلاته فاسدة وما أشبه ذلك؛ لأنا وجدنا عن النبي -صلى الله عليه (وسلم) - من الأشياء التي بينها، على المصلين أن يقيموها فتركها تارك سهواً أن لا يعيد، وفعل النبي -صلى الله عليه (وسلم) - بعض ما وصفنا في الصلاة مثل التشهد في الأوليين وشبهه ناسياً، فلم يعد الصلاة.
ولكن لا يجوز لأحد أن يجعل الصلاة أجزاء مجزأة فيقول: فريضته كذا، وسنته كذا، فإن ذلك بدعة.
-
- -
[2/ 819، 820]
قال أبو يعقوب [هو الكوسج]: كذا أيسر أن يرفع يديه إذا قنت ويضمها حين يفرغ، وإن لم يرفع وأشار بالسبابة جاز، ولا يمسح بهما وجهه في شيء من الصلوات، إنما يستحب مسح الوجه بعد الدعاء.
-
- -
[2/ 831، 832]
قال إسحاق: ... وفسر ابن المبارك- رحمه الله تعالى- قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" على ما العمل عند القوم -يعني أهل المدينة- وهم لا يستعملون الأهب إلا ما يأكلون لحومها.
قال النضر بن شميل: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" فإنما يقال الأهب (للإبل) والبقر والغنم، وللسباع جلود.
-
- -
[2/ 839 - 841]
قال إسحاق: وأما الإمام إذ صلى بالقوم ترويحة أو ترويحتين، ثم قام من آخر الليل فأرسل إلى قوم فاجتمعوا فصلى بهم بعد ما ناموا فإن ذلك جائز، إذا أراد به قيام ما أمر أن يصلي من التراويح، وأقل من ذلك خمسة. مع أن أهل المدينة لم يزالوا من لدن عمر -رضي الله عنه- إلى زماننا هذا يصلون أربعين ركعة في قيام شهر رمضان، يخففون القراءة.
وأما أهل العراق فلم يزالوا من لدن علي -رضي الله عنه- إلى زماننا هذا على خمس ترويحات، فأما أن يكون إمام يصلي بهم أول الليل تمام الترويحات ثم يرجع آخر الليل، فيصلي بهم جماعة فإن ذلك مكروه. ألا ترى إلى قول عمر -رضي الله عنه- حيث قال: التي تنامون عنها خير من التي تقومون فيها، فكانوا يقومون أول الليل، فرأى القيام آخر الليل أفضل.
فإنما كرهنا ذلك لما روى عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- وسعيد بن جبير- رحمه الله تعالى- كراهية التعقيب.
-
- -
[2/ 845، 846]
¥