فإن كثيرا من المنشغلين بالدعوة اتخذوا الشدة مذهبا لا يحيدون عنه فى التعامل مع أفراد فريق العمل، ويشق عليهم وهو يظن بذلك أنه يخدم دعوته أعظم خدمة، فإن الناس همج -كما قالها لى أحد الإخوة- لا يستقيمون إلا بالعصا، وترى كثيرا من أهل ذلك المذهب لا تعرف الابتسامة طريقا إلى وجوههم، وتجد الشدة ديدنهم وسمتهم، فلا يُعجبهم الحسن ويزيدهم الخطأ غضبا وقسوة، فيصير الصواب والخطأ عندهم سيان ولا يشعر العامل بأي قيمة لإنجازه.
وأظن أن ذلك ناتج عن التشبع بالمفاهيم الإدارية الواردة إلينا من الغرب، والتى اعتنت فى الأساس بطرق إدارة العمل المؤسسي الدنيوي والذى يعتمد نظرية الثواب والعقاب كمحفز على العمل إلى حد كبير.
وفى الأعمال الدنيوية، فإن العلاقة بين الرئيس والمرؤوسين هى علاقة مادية مبناها على الجهد والناتج والمكسب والخسارة ولا كبير اهتمام بالعلاقات الإنسانية بين أطراف العلاقة، والشدة فى هذه العلاقة تكون متحملة لأن المراد هو راتب يسد لقمة العيش، ولا ضير إن أدت تلك الشدة إلى التنافر والتشاحن.
أما العمل الدعوي، فإن هدفه الأسمي هو التمكين لدين الله تعالى فى الأرض، ولا يكون ذلك إلا بإيجاد الطائفة المؤمنة التى تُحَكِّم شرع الله تعالى فى أنفسها وبين الناس، ولا يُمكن إيجاد تلك الطائفة إلا بوجود الحب والترابط بين أفرادها، وهذا ما تهدمه الشدة بين أفراد تلك الطائفة؛ فإن العامل فيه يواجه ضغوطا كبيرة عظيمة من العديد من الأطراف، فهناك ضغط المجتمع المحيط المتمثل فى رفض الوالدين ومعارضتهما الدائمة لذلك الأمر، وضغط العمل والدراسة اللذان يحتاجان إلى تفرغ إلى غير ذلك من الحقوق الواجبة التى أُمر العبد بأن يوفيها حقها، فأن يُطلب من الواحد بأن يهمل كل حق واجب عليه وأن يترك مراعاة الظروف المحيطة به والتى لا يستطيع تغييرها أو إحداث صدام مع أطرافها وإلا وقع فى حرج شرعي: كالعلاقة مع الوالدين، فالتشديد على الأفراد فى جانب من تلك الجوانب والمبالغة فى عقابهم يوقع المرء فى حرج كبير، فهو إما يترك حقا واجبا، أو يترك الدعوة بكليتها، أو يستمر إن كان ذا عقل لكنه يبقى قنبلة موقوتة صالحة للانفجار فى أي وقت محدثة جراحا شديدة بين أفراد الصف.
كما أن العمل فى الحقل الدعوي هو عبادة من جملة العبادات التى تتأثر بحالة العبد الإيمانية، فقد يكون العبد فى أعلى حالاته الإيمانية فينشط إلى العمل الدعوي بكل ما أوتي من جهد، وقد تأتى فترات تضعف فيها الحالة الإيمانية لأى سبب من الأسباب، فتكون الشدة حينها بابا من أبواب عون الشيطان على أخيه المسلم، الذى تتنازعه نوازع الدنيا ويؤزه الشيطان إلى ترك الطريق، فينتكب الطريق بالكلية والله المستعان.
والأعجب من ذلك أن تكون الشدة منهجا فى التعامل مع التقصير الناتج عن ظروف قهرية كمرض ونحوه، فإن هذا مما لا دخل للإنسان فيه، فتوغر الصدور بلا داع ويخسر العمل الدعوي أحد جنوده.
والنهج الصحيح، أن يكون الرفق هو أصل التعامل وأساس العلاقة بين أفراد فريق العمل، فيعذر بعضهم بعضا، ويحسنون الظن ببعضهم البعض، ويقيلون العثرات، ويقبلون عذر ذى التقصير، فإن الرفق منهج إسلامي ربي النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يكون الرفق فى شئ إلا زانه ولا ينزع الرفق من شئ إلا شانه "، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب الرفق فى الأمور كلها، ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف ومالا يعطى على سواه"، ولم يغضب النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا انتهكت حرمات الله تعالى، وكان صلى الله عليه وسلم رفيقا بأصحابه مشفقا على أمته، سماه ربه رؤوفا رحيما
فالأصل يكون الرفق والتيسير وإقامة العلاقات الأخوية والترابط القوي بين الأفراد العاملين، أما الشدة فهى طارئة لتقويم خلل جسيم، أو منع خطإ متكرر، لكنها لا تصير أبدا منهجا متبعا يتعامل به المرء مع كافة الأفراد، فإن ذلك يهدم الدعوة ولو بعد حين.
ـ[خالد الشبيلي]ــــــــ[02 - 10 - 10, 05:49 ص]ـ
((والنهج الصحيح، أن يكون الرفق هو أصل التعامل وأساس العلاقة بين أفراد فريق العمل، فيعذر بعضهم بعضا، ويحسنون الظن ببعضهم البعض، ويقيلون العثرات، ويقبلون عذر ذى التقصير، فإن الرفق منهج إسلامي ربي النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يكون الرفق فى شئ إلا زانه ولا ينزع الرفق من شئ إلا شانه "، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب الرفق فى الأمور كلها، ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف ومالا يعطى على سواه"، ولم يغضب النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا انتهكت حرمات الله تعالى، وكان صلى الله عليه وسلم رفيقا بأصحابه مشفقا على أمته، سماه ربه رؤوفا رحيما))
من أجمل ماقلت .. وكلامك كله جميل ..
زادك الله من معينه الذي لاينضب أخي الحبيب: القاسمي ..
سلمت براجمك من الأوخاز ..