وهذا - يعني العلاج النبوي لعرق النسا - من هذا القِسم - يعني من الثاني -، فإنَّ هذا خطابٌ للعرب وأهل الحجاز ومَن جاوَرَهم، ولا سيما أعراب البوادي، فإنَّ هذا العِلاجَ من أنفع العلاج لهم، فإنَّ هذا المرض يَحدث من يُبْس، وقد يحدث من مادة غليظة لَزِجَة، فعلاجُها بالإسهال، و" الألْيَةُ " فيها الخاصيَّتان: الإنضاج، والتليين، ففيها الإنضاج، والإخراج. وهذا المرضُ يَحتاج عِلاجُه إلى هذين الأمرين.
وفى تعيينِ الشاةِ الأعرابيةِ لقِلة فضولِها، وصِغر مقدارِها، ولُطف جوهرها، وخاصيَّة مرعاها؛ لأنها ترعى أعشابَ البَرِّ الحارةَ، كالشِّيحِ، والقَيْصُوم، ونحوهما، وهذه النباتاتُ إذا تغذَّى بها الحيوانُ، صار فى لحمه من طبعِها بعد أن يُلَطِّفَها تغذيةً بها، ويُكسبَها مزاجاً ألطَفَ منها، ولا سيما الألية، وظهورُ فعل هذه النباتاتِ فى اللَّبن أقوى منه فى اللَّحم، ولكنَّ الخاصيةَ التى فى الألية من الإنضاج والتَّلْيِين لا تُوجد فى اللَّبن " انتهى.
"زاد المعاد" (4/ 72 - 73)، وقد علق الشيخ ابن جبرين حفظه الله على كلام ابن القيم هذا بقوله:
" ويفهم من كلامه أن هذا العلاج خاص بأهل البلاد الحارة، وبالأعراب، كأهل الحجاز ونحوهم، فعلى هذا يعالج أهل كل بلد بما يناسبهم من الأدهان والعقاقير والأدوية المركبة، وكذا بالرقية والقراءة المأثورة، والله الشافي " انتهى. "الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية" (2/ 120). نقلا عن موقعه >
ويقول الطبيب الجراح عبد الرزاق الكيلاني:
" عرق النسا: هو ألم يحدث في العصب الوركي الكبير، الذي تبدأ جذوره بين الفقرات القطنية، ثم ينزل على الوجه الخلفي للطرف السفلي ... حتى ينتهي في القدم، وأكثر أنواع عرق النسا تحدث بسبب انضغاط جذور العصب، بفتق نواة القرص الغضروفي بين الفقرات (الديسك)، وأقلها يحدث بسبب الرثية (الروماتيزم) أو البرد، أو النقرس، أو السكري، أو الإنتانات، أو غيرها ... أما عرق النسا الناشئ عن فتق النواة (الديسك) فإذا كان الفتق خفيفا ... يمكن علاجه بالراحة، والعلاج الطبيعي، والنوم على فراش قاس، ولبس حزام خاص، وأما إذا كان الفتق كبيرا .. فلا يشفى إلا بعملية جراحية خاصة، أو بحقن مادة خاصة في القرص الغضروفي لإذابة النواة ثم مصها بعد ذلك بممص خاص، أو مصها بدون إذابة، أما عرق النسا الناشئ عن الأسباب الأخرى - غير فتق النواة - فيمكن معالجة بعضها - وبخاصة الرثوية والبردية منها - بشرب ألية شاة أعرابية، تقسم ثلاثة أجزاء ... تذاب، ويشرب كل يوم جزء منها.
وألية الشاة الأعرابية صغيرة عادة؛ لأنها تعيش على أعشاب البرية ... وهي قليلة في الصحراء العربية، والشاة الأعرابية تأكل الشيح والقيصوم اللذين يكثران في بلاد العرب، ولا بد أن يتمثل شيء من خصائص هذه النباتات في لحمها ودهنها، وقد قال ابن سينا عن الشيح: " ينفع من عسر النفس، يخرج الديدان وحب القرع، ويقتلها، ويدر الطمث والبول، دهنه ينفع من برد النافض، ينفع من لسع العقارب، والرتيلاء .. ومن السموم "
أما القيصوم، فيقول عنه الدكتور أمين رويحة في كتابه: (التداوي بالأعشاب): " فيه زيت ومادة الإينولين، ويستعمل مرهمه - الذي يصنع من مسحوق الأغصان المزهرة والشحم الحيواني - للتثليج واللطخ الحمراء، ويشرب 3 - 4 نقط من صبغته - ثلاث مرات يوميا - لتقوية الدم، وفتح الشهية، وطرد الديدان "
هذا عدا أن الدهن إذا ذوب وشرب فإنه يحدث إسهالا يكنس الأمعاء وينظفها من الإنتانات والفضلات، فيفيد بذلك في عرق النسا الناجم عن الإنتانات، والدهن يولد حرارة وطاقة زائدة في الجسم، فكل (1) غ منه يولد (9) سعرات في الجسم، بينما (1) غ من كل من البروتين أو السكر لا يولد إلا (4) سعرات فقط، وقد يفيد الدهن - من هذه الناحية - في طرد الرطوبة والبرد من الجسم، وشفاء عرق النسا الناجم عنهما، والله تعالى أعلم.
ولا يزال حتى الآن يذهب أناس من دولة الإمارات العربية - مصابون بعرق النسا - إلى الهند للمعالجة، فيعالجونهم بالدهن المذاهب شربا، ويشفى أكثرهم " انتهى كلام الطبيب الكيلاني. "الحقائق الطبية في الإسلام" (348 - 349)
ويقول الدكتور الطبيب محمود ناظم النسيمي:
" ولقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم لعرق النسا ألية شاة أعرابية بمناسبة إصابة أحدهم به. وربما كانت إصابته نتيجة الإنتان بالعصيات الكولونية، فيحدث الإسهال بالدهن، فتطرد تلك الجراثيم من الأمعاء التي تعد موئلا لها. هذا إلى جانب حكم أخرى الله أعلم بها لم يتوصل إليها العلم بعد " انتهى.
" الطب النبوي والعلم الحديث " (ص/289)
والله أعلم.
" منقول "
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[06 - 10 - 10, 02:04 ص]ـ
وأما معنى الإهالة:
فقد قال ابن سيده:
والإهالةُ: ما أذبت من الشحم، وقيل: الإهالة: الشحم والزيت، وقيل: كل دُهْنٍ ائتدم به إهالةٌ.
" المحكم والمحيط الأعظم " (4/ 358).
¥