واعترض ابن حزم على هذا الاستدلال فقال: (وهذا لا يصح أصلا، ولو صح لما كان فيه دليل على ما يقولون؛ لأن الإفضاء باليد يكون بظاهر اليد كما يكون بباطنها، وحتى لو كان الإفضاء بباطن اليد لما كان في ذلك ما يسقط الوضوء عن غير الإفضاء إذا جاء أثر بزيادة على لفظ الإفضاء فكيف والإفضاء يكون بجميع الجسد قال الله تعالى: "وقد أفضى بعضكم إلى بعض" ()). ()
الدليل الثاني: أن ظهر الكف ليس بآلة لمسه؛ فهو كما لو أولج الذكر في غير الفرج. ()
قلت: وهو قياس بعيد، مخالف للنصوص التي لم تفرق بين باطن الكف، وظاهرها. والله تعالى أعلم.
الترجيح:
الراجح عندي في هذه المسألة هو نقض الوضوء بمس الذكر، وذلك أن الأدلة الدالة على النقض به أقوى من غيرها، وقد رجح العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى حديث بسرة على حديث طلق من أوجه:
أحدها: ضعفه.
قلت: وقد تقدم كلام المحدثين، واختلافهم في الحديثين، وتضعيف بعضهم لكل واحد منهما. والله تعالى أعلم.
والثاني: أن طلقا قد اختلف عنه؛ فروي عنه: "هل هو إلا بضعة منك" وروى أيوب بن عتبة عن قيس بن طلق عن أبيه مرفوعا: "من مس فرجه فليتوضأ" رواه الطبراني، وقال: "لم يروه عن أيوب بن عتبة إلا حماد بن محمد، وهما عندي صحيحان، يشبه أن يكون سمع الحديث الأول من النبي صلى الله عليه وسلم قبل هذا، ثم سمع هذا بعده؛ فسمع الناسخ والمنسوخ ".
الثالث: أن حديث طلق لو صح؛ لكان حديث أبي هريرة، ومن معه مقدما عليه؛ لأن طلقا قدم المدينة وهم يبنون المسجد فذكر الحديث، وفيه قصة مس الذكر، وأبو هريرة أسلم عام خيبر بعد ذلك بست سنين، وإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمره صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهذا الذي ذكر رحمه الله تعالى لا يثبت به النسخ.
قال ابن بدران: (وأما حداثة الصحابي، وتأخر إسلامه؛ فليس ذلك من دلائل النسخ). ()
الرابع: أن حديث طلق مبق على الأصل، وحديث بسرة ناقل، والناقل مقدم؛ لأن أحكام الشارع ناقلة عما كانوا عليه.
الخامس: أن رواة النقض أكثر، وأحاديثه أشهر.
السادس: أنه قد ثبت الفرق بين الذكر وسائر الجسد في النظر والمس؛ فثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه؛ فدل أن الذكر لا يشبه سائر الجسد، ولهذا صان اليمين عن مسه؛ فدل على أنه ليس بمنزلة الأنف، والفخذ، والرجل؛ فلو كان كما قال المانعون إنه بمنزلة الإبهام، واليد، والرجل، لم ينه عن مسه باليمين.
قلت: هذا إنما يستقيم ردا على الذين قاسوه على بقية أعضاء الجسم، ومن المعلوم أنه إن صح أحد الحديثين فلا مجال للقياس؛ لأنه سيكون في مقابلة النص. والله تعالى أعلم.
السابع: أنه لو قدر تعارض الحديثين من كل وجه؛ لكان الترجيح لحديث النقض؛ لقول أكثر الصحابة، منهم: عمر بن الخطاب، وابنه، وأبو أيوب الأنصاري، وزيد بن خالد، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمرو، وجابر، وعائشة، وأم حبيبة، وبسرة بنت صفوان رضي الله عنهم، وعن سعد بن أبي وقاص، وابن عباس رضي الله عنهم روايتان. ()
قلت: فاتضح بذلك أن أدلة النقض أقوى وأرجح. والله تعالى أعلم.
ملاحظة: أعتذر عن عدم ظهور الحواشي فلم أعرف كيفية إدراجها من الوورد.
ـ[أبو سعيد القرتشائي]ــــــــ[26 - 09 - 10, 06:56 ص]ـ
الأخ إبراهيم الحسني زادك الله علما وبارك فيك
جزاك الله عنا خيرا.