وأما حديث زيد بن خالد: فأخرجه أحمد من طريق ابن إسحاق حدثني الزهري عن عروة عن زيد بن خالد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مس فرجه فليتوضأ" وأخرجه الطحاوي وقال: هذا غلط؛ لأن عروة أنكر على مروان لما حدثه به عن بسرة، وذلك بعد موت زيد بن خالد بما شاء الله؛ فكيف ينكر على مروان شيئا سمعه من زيد بن خالد انتهى وأجيب باحتمال أن يكون ذلك قبل موت خالد؛ فإن القصة التي دارت بين عروة ومروان لم يجئ في خبر قط تعيين زمانها). ()
ومع ذلك فقد قال الإمام أحمد: حديث بسرة، وحديث أم حبيبة صحيحان. ()
وقال الترمذي حديث بسرة حسن صحيح. ()
وقال البخاري أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة. ()
وقال أبو زرعة حديث أم حبيبة أيضا صحيح. ()
واعترض السرخسي على هذا الحديث فقال: (وحديث بسرة لا يكاد يصح؛ فقد قال يحيي بن معين: ثلاث لا يصح فيهن حديث عن رسول الله منها هذا، وما بال رسول الله لم يقل هذا بين يدي كبار الصحابة حتى لم ينقله أحد منهم، وإنما قاله بين يدي بسرة، وقد كان رسول الله أشد حياء من العذراء في خدرها، ولو ثبت فتأويله: من بال؛ فجعل مس الذكر كناية عن البول؛ لأن من يبول يمس ذكره عادة كقوله تعالى "أو جاء أحد منكم من الغائط" والغائط هو المطمئن من الأرض كنى به عن الحدث؛ لأنه يكون في مثل هذه المواضع عادة، أو المراد بالوضوء غسل اليد استحبابا كما في قوله: "الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم" () والمراد منه غسل اليد). ()
وأجاب النووي عن بعض هذه الاعتراضات فقال: (فإن قيل: قال يحيى بن معين: ثلاثة أحاديث لا تصح أحدها الوضوء من مس الذكر؛ فالجواب: أن الأكثرين على خلافه؛ فقد صححه الجماهير من الأئمة الحفاظ، واحتج به الأوزاعي، ومالك، والشافعي، وأحمد، وهم أعلام أهل الحديث والفقه، ولو كان باطلا لم يحتجوا به؛ فإن قالوا: حديث بسرة رواه شرطي لمروان عن بسرة وهو مجهول؛ فالجواب أن هذا وقع في بعض الروايات، وثبت من غير رواية الشرطي؛ فإن قالوا: الوضوء هنا غسل اليد، قلنا: هذا غلط؛ فإن الوضوء إذا أطلق في الشرع حمل على غسل الأعضاء المعروفة هذا حقيقته شرعا، ولا يعدل عن الحقيقة إلا بدليل). ()
قلت: وحاصل الكلام على حديث بسرة رضي الله تعالى عنها وأرضاها أنه صححه جماعة من المحدثين منهم: الإمام أحمد، والترمذي، والنووي، وقال البخاري: إنه أصح شيء في هذا الباب، واحتج به الأئمة الحفاظ من أهل الحديث والفقه، كالأوزاعي، ومالك، والشافعي، وغيرهم.
الدليل الثاني: حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضئون، قالت: بأبي وأمي هذا للرجال أفرأيت النساء؟ فقال: إذا مست إحداكن فرجها فلتتوضأ. ()
واعترض بأنه ضعيف. ()
قال الحافظ ابن حجر: (وأما حديث عائشة؛ فأخرجه الدارقطني بلفظ: ويل للذين يمسون فروجهم، ثم يصلون، ولا يتوضئون، وفي إسناده عبد الرحمن العمري، وهو واه جدا، ورواه عن هشام بن عروة عن أبيه عنها، ولكن له طريق أخرى أخرجها الطحاوي من طريق الزهري عن عروة، وفي إسناده عمرو بن شريح، وهو ضعيف). ()
قلت: فظهر بذلك أن جميع طرقه ضعيفة غير صالحة للاحتجاج. والله تعالى أعلم.
واستدل القائلون باشتراط أن يكون اللمس بباطن الكف بما يلي:
الدليل الأول: حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره، ليس بينهما شيء؛ فليتوضأ وضوءه للصلاة. ()
قال النووي: وفي إسناده ضعف لكنه يقوى بكثرة طرقه. ()
قلت: والذي يظهر من كلام المحدثين أنهم لم يقووا هذا الحديث بالطرق، وغالب كلامهم يوحي بتضعيفهم له، حتى مع كثرة طرقه، وكثرة شواهده مع ذلك. والله تعالى أعلم.
ووجه استدلالهم به أنهم قالوا: الإفضاء لا يكون إلا ببطن الكف. ()
¥