تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فِيهَا، فَحُكْمُهُ مَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فِيهَا، لِأَنَّ اجْتِهَادَهُ فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَتْ دَلَالَتُهَا وَاضِحَةً إِنَّمَا يَقَعُ مَوْقِعَهُ عَلَى فَرْضِ أَنْ يَكُونَ مَا ظَهَرَ لَهُ هُوَ الْأَقْرَبُ إِلَى قَصْدِ الشَّارِعِ وَالْأَوْلَى بِأَدِلَّةِ الشَّرِيعَةِ؛ دُونَ مَا ظَهَرَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ. فَيَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ مَا هُوَ الْأَقْرَبُ. بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَسَعُهُ فِيمَا اتَّضَحَ فِيهِ الدَّلِيلُ إِلَّا اتِّبَاعُ الدَّلِيلِ، دُونَ مَا دَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ. وَيُعَدُّ مَا ظَهَرَ لَهُ لَغْوًا كَالْعَدَمِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ صَوْبِ الشَّرِيعَةِ الْحَاكِمَةِ. فَإِذًا؛ لَيْسَ قَوْلُهُ بِشَيْءٍ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْحُكْمِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُقَلِّدًا صِرْفًا خَلِيًّا مِنَ الْعِلْمِ الْحَاكِمِ جُمْلَةً. فَلَابُدَّ لَهُ مِنْ قَائِدٍ يَقُودُهُ. وَحَاكِمٍ يَحْكُمُ عَلَيْهِ. وَعَالِمٍ يَقْتَدِي بِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُقْتَدَى بِهِ إِلَّا مِنْ حَيْثُ هُوَ عَالِمٌ بِالْعِلْمِ الْحَاكِمِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعِلْمِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ اتِّبَاعُهُ وَلَا الِانْقِيَادُ لِحُكْمِهِ. بَلْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَخْطُرَ بِخَاطِرِ الْعَامِّيِّ وَلَا غَيْرِهِ تَقْلِيدُ الْغَيْرِ فِي أَمْرٍ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْأَمْرِ. كَمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَرِيضُ نَفْسَهُ إِلَى أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِطَبِيبٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فَاقِدَ الْعَقْلِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا يَنْقَادُ إِلَى الْمُفْتِي مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ عَالِمٌ بِالْعِلْمِ الَّذِي يَجِبُ الِانْقِيَادُ إِلَيْهِ. لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ فُلَانًا أَيْضًا. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ أَيْضًا لَا يَسْعُ الْخِلَافُ فِيهَا عَقْلًا وَلَا شَرْعًا.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ بَالِغٍ مَبْلَغَ الْمُجْتَهِدِينَ. لَكِنَّهُ يَفْهَمُ الدَّلِيلَ وَمَوْقِعَهُ. وَيَصْلُحُ فَهْمُهُ لِلتَّرْجِيحِ بِالْمُرَجِّحَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ وَنَحْوِهِ. فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ تَرْجِيحُهُ أَوْ نَظَرُهُ، أَوْ لَا فَإِنِ اعْتَبَرْنَاهُ صَارَ مِثْلَ الْمُجْتَهِدِ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ. وَالْمُجْتَهِدُ إِنَّمَا هُوَ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ الْحَاكِمِ نَاظِرٌ نَحْوَهُ. مُتَوَجِّهٌ شَطْرَهُ: فَالَّذِي يُشْبِهُهُ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ نَعْتَبِرْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ رُجُوعِهِ إِلَى دَرَجَةِ الْعَامِّيِّ. وَالْعَامِّيُّ إِنَّمَا اتَّبَعَ الْمُجْتَهِدَ مِنْ جِهَةِ تَوَجُّهِهِ إِلَى صَوْبِ الْعِلْمِ الْحَاكِمِ. فَكَذَلِكَ مَنْ نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ).قلت: والحق أن المتبع أقرب إلى المجتهد منه إلى المقلد! بل ولا يُقْعِدُه عن رتبة الاجتهاد المطلق سوى الفسولة والرضاء بما دونه! أو يكون يرى نفسه في رتبة لا تؤهله إلى ارتقاء ذلك المقام العالي بعد؟

ولذلك قال الشاطبي آنفًا في حق المتبع:

فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ تَرْجِيحُهُ أَوْ نَظَرُهُ، أَوْ لَا؟ فَإِنِ اعْتَبَرْنَاهُ صَارَ مِثْلَ الْمُجْتَهِدِ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ. وَالْمُجْتَهِدُ إِنَّمَا هُوَ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ الْحَاكِمِ نَاظِرٌ نَحْوَهُ. مُتَوَجِّهٌ شَطْرَهُ: فَالَّذِي يُشْبِهُهُ كَذَلِكَ

واعتباره أشبه بالمجتهد أقرب من غيره كما سبق.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير