تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: (فسوى بين البول والغائط والنوم في هذا الحديث، والنوم كالحدث؛ ولكنه لا يقوى قوة الحدث؛ لأن الحدث قليله وكثيره وصغيره وكبيره سواء في نقض الطهارة، وقليل النوم متجاوز عنه لا حكم له، والدليل على الفرق بينهما قوله صلى الله عليه وسلم: "وكاء السه العينان فإذا نامت العينان استطلق الوكاء فمن نام فليتوضأ" () فدلنا بقوله عليه السلام على أن النوم إذا استحكم، ونامت العينان؛ لم يؤمن الحدث في الأغلب، والنادر لا يراعي، ومن لم يستثقل نوما وإنما اعتراه النعاس؛ فقد أمن منه الحدث، وأقل أحوال النائم المستثقل أن يدخله الشك في الوضوء؛ فلا يجوز له أن يستفتح الصلاة بغير وضوء مستيقن). ()

ولا يعترض على هذا الحديث بالإمام عاصم بن أبي النجود فقد قال فيه شمس الدين بن عبد الهادي الحنبلي: (روى له البخاري ومسلم مقرونا بغيره، ووثقه الإمام أحمد، وأبو زرعة، ومحمد بن سعد، وأحمد بن عبد الله العجلي وغيرهم، وكان صاحب سنة وقراءة للقرآن، وقال ابن معين: لا بأس به، وقال أبو حاتم: محله الصدق لم يكن بذاك الحافظ، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن خراش: في حديثه نكارة، وقال العقيلي: لم يكن فيه إلا سوء الحفظ، وقال الدارقطني: في حفظه شيء). ()

قلت: فأقل ما يمكن أن يقال عن حديثه إنه حسن.

ولكن الاستدلال بهذا الحديث يسقط من ناحية أخرى وهي أن غاية ما فيه الاستدلال بدلالة الاقتران، وهي ضعيفة عند الأصوليين كما هو معروف. والله تعالى أعلم.

الدليل الثالث: حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ). ()

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: (ولنا عموم الحديثين الأولين – يقصد حديث صفوان وعلي رضي الله تعالى عنهما - وإنما خصصناهما في اليسير لحديث أنس وليس فيه بيان كثرة ولا قلة؛ فإن النائم يخفق رأسه من يسير النوم؛ فهو يقين في اليسير؛ فيعمل به، وما زاد عليه فهو محتمل؛ لا يترك له العموم المتيقن). ()

وضعف حديث علي هذا من وجهين:

الوجه الأول: أن فيه بقية بن الوليد () وقد عنعنه.

قلت: وكلام العلماء في بقية كثير؛ فبعضهم ضعفه، والبعض وثقه، ولعل أعدل الأقوال فيه أنه صدوق في نفسه، لكنه مشهور بالتدليس مكثر له عن الضعفاء؛ فتقبل أحاديثه إذا صرح بالتحديث عن الثقات. والله تعالى أعلم.

الوجه الثاني: أن فيه الوضين بن عطاء () وهو ضعيف.

ومع ذلك فقد قال النووي رحمه الله تعالى: (وهو حديث حسن). ()

وقال ابن حجر رحمه الله تعالى: (وحسن المنذري، وابن الصلاح، والنووي حديث علي، وقال الحاكم في علوم الحديث:لم يقل فيه: "ومن نام فليتوضأ" غير إبراهيم بن موسى الرازي، وهو ثقة كذا قال). ()

قلت: وتحسين هؤلاء الأئمة رحمهم الله تعالى لهذا الحديث غريب جدا؛ وقد قدمنا الكلام على بقية بن الوليد والوضين بن عطاء.

أما بقية فإنه وإن وثقه بعض العلماء إلا أنه مدلس مشهور بذلك، وقد عنعن هذا الحديث.

وأما الوضين بن عطاء، فإن من جمع كلام أهل العلم فيه يتضح له أن فيه ضعفا. فاجتمعت علتان في هذا الحديث كل واحدة منهما تكفي للحكم عليه بالضعف.

وهناك علة ثالثة، وهي أن عبد الرحمن بن عائذ راوي الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وإن كان ثقة بلا شك؛ إلا أن أبا زرعة قال: إنه لم يسمع من علي.

وتعقبه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى وقال إن نفيه هذا فيه نظر؛ لأن عبد الرحمن بن عائذ يروي عن عمر كما جزم بذلك البخاري.

قلت: وروايته عن عمر لا تستلزم سماعه من علي، كما هو واضح؛ اللهم إلا أن يكون قصده أنه أدرك عمر؛ فيكون أدرك عليا لا محالة. والله تعالى أعلم.

لكن هذا الحديث روي من طريق أخرى عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: (العينان وكاء السه؛ فإذا نامت العين استطلق الوكاء).

وضعفه ابن حزم رحمه الله تعالى بأنه من طريق بقية وهو ضعيف، عن أبي بكر بن أبي مريم وهو مذكور بالكذب، عن عطية بن قيس وهو مجهول. ()

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير