وكما هو شأن الكذابين أقوالهم متضاربة ويكفي في تكذيبها أن تجمعها متجاورة، ويكفي في تكذيب القائلين بها تضاربهم في أطروحاتهم. وحين كنت أرصد شبهات زكريا بطرس (وهو قليب عفن تجتمع فيه نتنهم كله) على نبوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جمعت شبهاته ثم وجدت أن أفضل طريقة للرد عليه هو أن أعرض على القارئ أقواله في تفسير النبوة، فقلت أحضرها متجاورة ليرى القارئ كيف أنه ـ وأنهم ـ يكذب نفسه، وكيف أن شبهاته عرجاء صلعاء عوراء سوداء دميمية لا يرضى به سوي. ولذا النظرة الشاملة التي تأتي بعد استعراض توضح الصورة أكثر.
ـ محاورهم الرئيسية الرامية لنفي النبوة عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جميعها موجودة بيننا .. تردد بألسنة نفرٍ من بني جلدتنا، ممن يسمون بالمفكرين الإسلاميين.كل المحاور المتطرف منها و"المعتدل"، فنجد على سبيل المثال من يتطاول على القرآن بشكل سافر كأركون ومن يدعي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صنعته إمرأة (خديجةرضي الله عنها) وقسيس (ورقة بن نوفل)، أعني خليل عبد الكريم ومجموعة كتبه التي هي نقل حرفي عن (جوزيف قذى ـ أبو موسى الحريري)، ومن يدعي أنها كانت دعوة حزبية لإقامة مملكة دنيوية (الحزب الهاشمي)، ومن راح يدرس الكهانة في الجزيرة العربية قبل الإسلام ويتحدث ـ كذباً ـ أن النبوة كالكهانة أو شيء متطور منها.
وكالذين ادعوا مشاركة (شعراء النصرانية) في "التراث" الإسلامي، وقد أكثر هؤلاء ووجدوا من يسمع ومن يردد قولهم.
ولم يخرج صاحب العبقريات عن درب هؤلاء، فهو في دربهم وإن ورمت أنوف قوم ممن لا يقرؤون أو ممن لا يتدبرون، فـ (العبقرية) فكرة غربية، تبدو مغرية، وتبدو مدحاً، وفي الحقيقة أنها تستقر عند ذات الهدف .. نفي النبوة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقديم النبي صلى الله عليه وسلم على أنه عبقري من العباقرة كما كان نابليون وكما كان عبد البقرة غاندي الهندي ـ أو نبي الهند كما يسميه صاحب العبقريات ـ، وكما كان صن ست (نبي الصين) كما يسميه صاحب العبقريات.
وهذا التفكير منقود بأمرين:
الأول: الكذب، وقد تتبعت طرق استنباط الشبهات فوجدتها ترجع للكذب المباشر، والكذب المباشر عن طريق بتر النص من سياقه العام ثم تفسيره بمقدمات تخرجه عن معناه الأصلي، أو عن طريق العبث بالنص الأصلي بالإضافة والحذف، أو عن طريق اعتماد الضعيف والشاذ ومالايصح. وكله كذب.
الثاني: ذات النص القرآني. النص القرآني والنبوي يحمل دلالات على صدقه، منها إعجازه البياني، ومنها الإخبار عن غيبيات. وكذا التشريعات الإسلامية تحاج بنفسها وتبرهن على أنها هي الأمثل لصلاح حال الناس والواقع والتاريخ يشهد لها.
ثالثها: حقق المستشرقون أو السياسيون في الغرب من تفعيل المنافقين أمور:
منها: اربكاك الداخل الإسلامي، فقد أشعل هؤلاء معارك داخلية بيننا، ولك أن تلاحظ أن عامة المطروح في الداخل الإسلامي من منتصف القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا في إطار التصدي لهؤلاء وآثارهم. أو قضايا داخلية كلها.
ومنها: تقديم قراءة مغلوطة عن الإسلام للنصارى، فقد نشط الغرب للنقل (الترجمة) عن هؤلاء، يقولون لقومهم هذا هو الإسلام كما يعرضه المسلمون، أو ينقلون كتابات هؤلاء للبلاد الإسلامية النائية كالهند ممن ينظرون لعلماء الدول العربية في الأزهر على أنهم شيوخ الإسلام، وقد حدث هذا مع ما خرج باسم قاسم أمين، وظهر مع بعض كتابات عباس العقاد.
فمع أن بضاعة هؤلاء منهم إلا أن هناك حرص من هؤلاء على ترجمة كتبهم إلى لغاتهم ليكون هذا "هو الإسلام بلسان المسلمين"، وبعض المنافقين يكتب بلغة القوم كما أركون وكما توفيق فهد في "الكهانة العربية قبل الإسلام". ويحدث العكس أيضاً بمعنى أن بعض أذناب الاستشراق يترجمون أبحاث المستشرقين للعربية، ويحضر على طرف خاطري الآن كتابات المستشرقين عن التاريخ الإسلامي كما (فلهوزن).
¥