تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بالتنجيس لانتفاء علته " أهـ.

أما الادعاء بأنه غريب عن الرأي لأنه يفرق بين جناحي الذباب فيدعي أن أحدهما يحمل سماً والآخر شفاء، فهو قول مناهض للحديث، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم- هو الذي فرق بينهما، كما أن هذا الادعاء مخالف للواقع الذي يجوز اجتماع كثير من المتضادات في الجسم الواحد كما هو مشاهد معروف.

ولو رجع أحدهم إلى أجوبة العلماء المتقدمين عن ذلك لوجد الجواب الشافي، قال الخطابي معالم السنن (5/ 341 - 342): " وقد تكلم على هذا الحديث بعض من لا خلاق له، وقال: كيف يجتمع الداء والشفاء في جناحي الذبابة وكيف تعلم ذلك حتى تقدم جناح الداء وتؤخر جناح الشفاء وما أربها إلى ذلك؟.

قلت: وهذا سؤال جاهل أو متجاهل، وإن الذي يجد نفسه ونفوس عامة الحيوان قد جمع فيها بين الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، وهي أشياء متضادة إذا تلاقت تفاسدت، ثم يرى الله عز وجل قد ألف بينها وقهرها على الاجتماع، وجعلها سببا لبقاء الحيوان وصلاحه، لجدير أن لا ينكر اجتماع الداء والدواء في جزأين من حيوان واحد، وأن الذي ألهم النحل أن تتخذ البيت العجيب الصنعة وأن تعسل فيه، وألهم النملة أن تكتسب قوتها وتدخره لأوان حاجتها إليه هو الذي خلق الذبابة، وجعل لها الهداية أن تقدم جناحاً وتؤخر آخر، لما أراد من الابتلاء الذي هو مدرجة التعبد، والامتحان الذي هو مضمار التكليف، وفي كل شيء عبرة وحكمة وما يذكر إلا أولوا الألباب " أهـ.

وقال ابن قتيبة في " تأويل مختلف الحديث " (230 - 231): " فما ينكر من أن يكون في الذباب سم وشفاء، إذا نحن تركنا طريق الديانة ورجعنا إلى الفلسفة؟ وهل الذباب في ذلك إلا بمنزلة الحية؟ فإن الأطباء يذكرون أن لحمها شفاء من سمها إذا عمل منه الترياق الأكبر، ونافع من لدغ العقارب وعض الكلاب الكلبة .... إلخ.

وكذلك قالوا في العقرب: إنها إذا شق بطنها، ثم شدت على موضع اللسعة نفعت .... إلخ

والأطباء القدماء يزعمون أن الذباب إذا ألقي في الإثمد وسحق معه ثم اكتحل به زاد ذلك في نور البصر، وشد مراكز الشعر من الأجفان في حافات الجفون ... وقالوا في الذباب: إذا شدخ ووضع على موضع لسعة العقرب سكن الوجع.

وقالوا من عضه الكلب احتاج إلى أن يستر وجهه من سقوط الذباب عليه لئلا يقتله وهذا يدل على طبيعة فيه شفاء أو سم " أهـ.

والمهم من إيراد هذا الكلام أن اجتماع المتضادات في الجسم الواحد ليس بمستغرب شرعاً ولا حساً ولا واقعاً.

هل أثبت العلم بطلانه؟

وأما أن العلم يثبت بطلان الحديث لأنه يقطع بمضار الذباب، فإن الحديث كما سبق لم ينف ضرر الذباب بل نص على ذلك صراحة.

وهل علماء الطب وغيرهم أحاطوا بكل شيء علماً حتى يصبح قولهم هو الفصل الذي لا يجوز مخالفته، بل هم معترفون بأنهم عاجزون عن الإحاطة بكثير من الأمور، وهنالك الكثير من النظريات التي كانت تؤخذ إلى عهد قريب على أنها مسلمات تبين بطلانها وخطؤها فيما بعد، بينما الذي نطق به رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وحي من عند الله تعالى الذي يعلم السر وأخفى، وأي إشكال في أن يكون الله تعالى قد أطلع رسوله - صلى الله عليه وسلم - على أمر لم يصل إليه علم الأطباء بعد؟ وهو سبحانه خالق الحياة والأحياء {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك 14)، فلماذا لا يكون ما يحمله الذباب على جناحه من شفاء مما خفي علمه عن الأطباء اليوم؟.

ومن قال بأن عجلة الطب قد توقفت بما لا مزيد عليه، ولا يزال الأطباء يطلون على العالم في كل يوم باكتشافات جديدة، وعلاجات لأمراض كانت إلى عهد قريب مستعصية، وأدوية وعقاقير لم تكن معروفة من قبل.

وهل يتوقف إيماننا بصدق كل حديث ورد فيه أمر طبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يكشف لنا الأطباء بتجاربهم صدقه أو بطلانه؟ فأين إيماننا بالغيب إذاً، وأين إيماننا بصدق نبوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووحي الله إليه؟!.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير