تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برهان قائم بنفسه لا يحتاج إلى دعم خارج عنه، والذي يجب على الأطباء وغيرهم من عامة الناس هو التسليم بما جاء فيه وتصديقه، فإن هذا هو مقتضى الإسلام والإيمان بغض النظر عن موقف الطب منه ما دام ثابتاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-.

هذا كله يقال على فرض أن الطب الحديث لم يشهد لهذا الحديث ولم يؤيد ما جاء به، مع أن الواقع خلاف ذلك فقد وجد من الأطباء المعاصرين - لا نقول المسلمين منهم بل حتى الغربيين - من أيد مضمون ما جاء به الحديث من الناحية الطبية، وأنه من معجزات نبينا - صلى الله عليه وسلم - وهنالك العشرات من البحوث والمقالات في هذا الجانب،

ولسنا بصدد ذكر الأبحاث العلمية التي تفسر الحديث وجوانب الإعجاز فيه، والخوض في تفصيلات ذلك، فهذا له موضع آخر، وقد سبقت الإشارة إلى شيء من ذلك عند الكلام على الإعجاز في الحديث النبوي في موضوع خاص بعنوان (حديث الذباب)، وكل هذه الأبحاث تؤكد بل تجزم بعدم وجود أي تعارض بين الحديث وبين المكتشفات الطبية الحديثة.

لا دخل له في التشريع

أما الزعم بأنه ليس من عقائد الإسلام ولا من عباداته، ولا دخل له في التشريع، وإنما هو من أمور الدنيا التي يجوز على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها الخطأ، كحديث " تأبير النخل "، فالغرض منه تحقير الحديث والتهوين من أمره وتنفير الناس عنه، وبالتالي فإن من ردَّه أو ارتاب فيه لم يؤثر ذلك على دينه في شيء، وهو أمر في غاية الخطورة والتلبيس، لأن أمور الدنيا منها ما هو خاضع لأحكام الشرع، فهي داخلة تحت الأمر بطاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والنهي عن مخالفته، وأمره - صلى الله عليه وسلم - قد يكون واجباً وقد يكون مستحباً، وقياس حديث الذباب وغيره من أحاديث الطب النبوي على أحاديث تأبير النخل قياس غير صحيح لأن معظم أحاديث الطب إن لم تكن كلها ساقها النبي - صلى الله عليه وسلم - مساق القطع واليقين مما يدل على أنها بوحي من الله سبحانه وداخلة في التشريع، فقال في حديث الذباب: (فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء) فأتى بـ (إن) المفيدة للتأكيد، بخلاف أحاديث تأبير النخل التي ساقها عليه الصلاة والسلام مساق الرجاء والظن لأنها في أمور الدنيا ومعايشها فقال: (لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا) وفي رواية (ما أظن يغني ذلك شيئا) وفرق كبير بين الأسلوبين، ولذلك قال الإمام النووي عند شرحه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث تأبير النخل: (وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر): " قال العلماء: قوله - صلى الله عليه وسلم - (من رأي) أي في أمر الدنيا ومعايشها لا على التشريع، فأما ما قاله باجتهاده - صلى الله عليه وسلم - ورآه شرعاً يجب العمل به، وليس أبار النخل من هذا النوع بل من النوع المذكور قبله " أهـ.

فما وقع في حديث التأبير كان ظناً منه - صلى الله عليه وسلم - وهو صادق في ظنه وخطأ الظن ليس كذباً، وقد رجع عن ظنه الذي ظنه في قوله: (إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه) بخلاف ما جاء في حديث الذباب، فإنه أخبر بأن في أحد جناحيه داء والآخر شفاء وهذا لا يكون إلا بوحي من الله تعالى، وهو أمر لا يحتمل خلاف ما أخبر به، ثم أمر بغمس الذباب، بناء على العلة السابقة، ولم يأت ما ينقض هذا الأمر ولا ذاك فوجب التسليم والإذعان وعدم الإنكار.

وادعاء أن المسلمين لم يلتزموا به، ولم يعمل به أحد منهم، ادعاء كاذب يخالفه ما ثبت عن بعض الصحابة والتابعين، فقد ذكر الحافظ في الفتح أن عبد الله بن المثنى روى عن عمه ثمامة أنه حدثه قال: " كنا عند أنس فوقع ذباب في إناء، فقال أنس بأصبعه فغمسه في ذلك الإناء ثلاثاً ثم قال: بسم الله، وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أمرهم أن يفعلوا ذلك ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير