واستحب الجهر بها في الحالات المتقدمة؛ لكي ينصت المستمع للقراءة فلا يفوته شيء منها، وإذا أخفى التعوذ في هذه الحالات لم يعلم السامع بالقراءة إلا بعد أن فاته من المقروء شيء فإن الاستعاذة شعار القراءة، وعلامتها المتميزة لها، كالجهر بالتلبية، وتكبيرات العيد (24).
وكذلك الحال بالنسبة للتكبير: فإنه يُسَنُّ أن يكون جهراً، إذا كانت القراءة جهراً، وكان هناك من يستمع لقراءته.
ويندب التكبير للقارئ في جماعة جهراً؛ لكونه القارئ، قياساً على الاستعاذة من حيث الجهر والإسرار؛ فإن القارئ في الجماعة هو الذي يستعيذ جهراً.
فإذا كانت القراءة وسط جماعة يقرؤون القرآن، وكان يقرأ بداية سورة في تكبير على القول بالتكبير العام، أو القارئ من سورة (والضحى) إلى آخر (الناس)، وهو التكبير الخاص، فيندب له الجهر بالتكبير.
وأما الحالة الثانية بالنسبة للاستعاذة: فهي إخفاؤها –مع التلفظ بها، وإسماع نفسه-، وهو مستحب في المواضع التالية:
1 - إذا كانت القراءة سرًّا.
2 - إذا كانت القراءة جهراً، وليس معه أحد يستمع لقراءته.
3 - إذا كانت القراءة جماعية، وليس هو المبتدئ للقراءة (25).
وكذلك الحال بالنسبة للتكبير بنوعيه المتقدمين: التكبير العام، والتكبير الخاص، عند ختم المصحف الشريف، فإنه يندب للقارئ أن يُسِرَّ بالتكبير إذا كان يقرأ القرآن سرًّا، أو كانت القراءة جهراً، وليس معه أحد يستمع لقراءته.
وكذلك يندب لبقية المستمعين أن يكبروا، ولكنهم يكبرون سرًّا؛ لأن التكبير مندوب لكل واحد منهم؛ فيشرع له التكبير، ويكبر القارئ جهراً باعتبار أن قراءة الجماعة بمنزلة القراءة الواحدة، فيجهر بالتكبير فيها.
وكذلك الحال إذا كان يقرأ مع جماعة، وليس هو القارئ جهراً للسور التي في آخرها تكبير، فيسن له أن يكبر سرًّا، والقارئ يكبر جهراً كما تقدم، أو كان التكبير عامًّا في أول كل سورة من المصحف.
وأما ما يفعله بعض الناس من الجهر بالتكبير الجماعي عند القراءة الجماعية، فلا يُشْرَع، وليس مندوباً إليه، بل هو خارج عن حدود فعل السلف الصالح رضي الله عنهم، ولم يثبت عن أحد التكبير الجماعي بهذه الصورة، وعليه: فيشرع التكبير للقارئ جهراً، ولبقية الجالسين سرًّا لتحقيق أجر التكبير عند ختم المصحف الشريف.
عاشراً: الأحكام الفقهية المتعلقة بالتكبير في الصلاة:
التكبير في الصلاة سنة ثابتة فيها، كما أنها سنة ثابتة في خارجها، وقد روى أئمة القراءة أخباراً عن السلف من القراء والفقهاء تدل على أخذهم بالتكبير في الصلاة، وقد ذكر الحافظ ابن الجزري في كتابه "النشر في القراءات العشر" جملة من هذه الآثار، وسأذكر طرفاً منها، حيث تعتبر هذه الآثار بمثابة الأدلة على فعل السلف، والتزامهم بهذه السنة المتعلقة بختم القرآن الكريم، ثم أتبع ذلك بأهم الأحكام الفقهية المتعلقة بالتكبير عند ختم المصحف الشريف:
1 - روي عن مجاهد أنه كان يكبر من: "والضحى" إلى (الحمد لله رب العالمين) (26)، قال الحميدي: سألت سفيان بن عيينة، قلت: يا أبا محمد رأيت شيئاً ربما فعله الناس عندنا، يكبر القارئ في شهر رمضان إذا ختم، يعني في الصلاة، فقال: رأيت صدقة بن عبدالله بن كثير يؤم الناس منذ أكثر من سبعين سنة، فكان إذا ختم القرآن كَبَّر.
ففي الأثر السابق نستفيد: أن التكبير ثبت من فعل مجاهد، وهو من التابعين.
كما أن التكبير معمول به في مكة المكرمة –حرسها الله- منذ زمن بعيد، والناس متعارفون عليه، وهو متوافق مع ما نقله القراء عن النبي صلى الله عليه وسلم جيلاً بعد جيل.
2 - قال الشيخ أبوالحسن السخاوي: (وروى بعض علمائنا –الذين اتصلت قراءتنا بهم- بإسناده عن أبي محمد الحسن بن محمد بن عبيدالله بن أبي يزيد القرشي قال: صليت بالناس خلف المقام بالمسجد الحرام في التراويح في شهر رمضان، فلما كانت ليلة الختمة كبرتُ من خاتمة " والضحى" إلى آخر القرآن في الصلاة، فلما سلمتُ التَفَتُّ، وإذا بأبي عبدالله محمد بن إدريس الشافعي قد صلى ورائي، فلما بصر بي قال لي: أحسنت؛ أصبت السنة). فقول الإمام الشافعي: "أحسنت أصبت السنة" يدل على أن فعله موافق لما هو مروي في السنة المطهرة.
¥