هذا، وإن الحالة الأولى التي ذكرها العلماء للتكبير ليست ملزمة، وليست الصورة الوحيدة في كيفية التكبير في الصلاة، ولأن الأمر عائد لحال المصلي، وحفظه لكتاب الله عز وجل، وقراءة ما يتيسر له من القرآن الكريم في الصلاة.
الحالة الثانية: أن يكون المصلي إماماً، فيكون حاله كحال المنفرد، له أن يأخذ بأي صورة من صور التكبير السابقة، وليس ملزماً بأي صورة كانت.
وعلى الإمام أن يُعْلِم ويُعَلِّم الناس حكم التكبير، وأنه سيكبر إذا جاء إلى موضع التكبير.
أما إذا كان المصلي مأموماً، فإنه تبع لإمامه في القراءة؛ فإن الإمام إذا قرأ فإن الناس ينصتون لقراءته، ولا ينازعونه فيها، وكذلك الحال بالنسبة للتكبير.
الحكم الثالث: لا يشرع للمأمومين أن يكبروا مع الإمام سرًّا، ولا جهراً: ولقد رأينا بعض عامة الناس ممن ليس لهم علم في هذه المسألة يكبرون جهراً مع الإمام، وربما ارتجّ المسجد بصوت المكبرين عند ختم المصحف الشريف؛ لذلك فإن التكبير العام والخاص في الصلاة مقيد بفعل القارئ فحسب، وهو الإمام، ولا يجوز للمأمومين أن يفعلوه.
ودليل هذا الحكم ما تقدم من النصوص في فعل السلف الصالح في التكبير في مكة المكرمة، فإن المروي عنهم: التكبير للإمام دون المأمومين سيما أن التكبير الوارد في هذه النصوص هو التكبير الواقع عند ختم المصحف الشريف في صلاة التراويح في رمضان، وهي بلا شك في صلاة الجماعة.
ودليل آخر: أن قول المصلين في الجماعة: "آمين" قد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضي الله عنهم، ولو كان التكبير الجماعي سائغاً لنقل كما نقلت لفظة: "آمين" بعد الانتهاء من قراءة الفاتحة.
الحكم الرابع: هل يؤدى التكبير في الصلاة جهراً أو سرًّا يجهر به أو يسر، أو تابع لها في السرية والجهرية؟
أجمع المسلمون على استحباب الجهر بالقراءة في صلاة الصبح، والجمعة، والعيدين، والأوليين من المغرب والعشاء، وفي صلاة التراويح، والوتر عقبها، وهذا مستحب للإمام والمنفرد بما ينفرد به منها (31).
وأما المأموم فلا يجهر بإجماع الفقهاء (32).
والذي يظهر أن ذلك يكون تابعاً للصلاة في السر والجهر (33)، لأن التكبير في هذه الحالة يعتبر جزءاً من أفعال الصلاة، والقراءة منها، والتكبير في حكم القراءة، والقراءة إنما يجهر بها في الصلاة الجهرية، ويسر بها في الصلاة السرية، فإذا كانت الصلاة ظهراً أو عصراً كبّر سرًّا، وإذا كانت الصلاة فجراً أو مغرباً أو عشاءً، أو في صلاة قيام الليل والتراويح وكانت القراءة جهراً؛ فإنه يجهر بالتكبير.
ولكن هذا الحكم بحاجة لشيء من التفصيل والتفريق بين كون المصلى إماماً أو مأموماً أو منفرداً.
أما إذا كان إماماً أو منفرداً، فإذا كانت القراءة يستحب فيها الجهر في المواضع التي سبقت، فإنه يسن للإمام أو المنفرد الجهر بالتكبير عند ختم المصحف الشريف، سيما في صلاة التراويح التي يكون فيها ختم للمصحف الشريف عادة.
أما إذا كان مأموماً؛ فإنه تبع لإمامه، ولا يكبر المأموم سرًّا ولا جهراً، ومعلوم أن التكبير خاص بقراءة الإمام لا بقراءة المأموم، وحينئذ فإن المأموم يستمع لتكبير إمامه كما أنه يستمع لقراءته، ولا يقرأ المأموم شيئاً من القرآن في الصلاة إلا الفاتحة على خلاف عند الفقهاء، ليس هذا موضعه.
الحكم الخامس: السهو في التكبير للإمام والمأموم (34):
وحكم التكبير عند ختم المصحف الشريف -كما تقدم– هو الندب، فإذا سهى الإمام أو المنفرد في صلاته فلم يكبر عند موضع التكبير العام أو الخاص، أو في بعض سور التكبير العام والخاص، فهل يشرع للمصلين تنبيه الإمام بنسيانه التكبير، بالتسبيح؟
الظاهر أنه يشرع للمأمومين تنبيه الإمام إلى التكبير العام أو الخاص، فإذا فات التكبير فينبه المأمومون الإمام، لأنه من تمام الرواية، فكل رواية فيها تكبير سواء أكان تكبيراً عامًّا أم خاصًّا، فعلى القارئ أن يلتزم الرواية، وتمام الرواية أن يأتي بالتكبير في موضعه.
وإذا سهى المأمومون، وغفلوا عن تنبيه الإمام بتركه التكبير، فهل ترك الإمام للتكبير يعتبر نقصاً في الصلاة يستوجب الجبر بسجود السهو، وهل يسجد للسهو له؟
¥