تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عن التداوي بالخمر، أو جعلها مع الدواء للاستشفاء بها، كما روى مسلم عن طارق بن سويد 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أنه سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن الخمر فنهاه، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال:" إنه ليس بدواء، ولكنه داء "، وفي رواية لأهل السنن (إنه سئل عن الخمر يجعل في الدواء)، وفي السنن من حديث أبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نهى عن الدواء الخبيث "، وروى أبو داود من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال:" إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تداووا بالمحرم "، وأحاديث الباب كثيرة مشهورة.

ومن المعلوم أن الشارع يرخص لذوي الحاجات ما لا يرخص لغيرهم، ويبيح لهم ما لا يبيح لغيرهم، وأن المريض له أن يترخص وأن يتناول بعض ما لا يجوز له تناوله وهو صحيح معافى.

فالنهي عن استعمال الخمر للدواء أو وضعه فيه مع أن المستخدم لهذا الدواء هم المرضى يدل من باب أولى على النهي عن استعماله فيما لا حاجة فيه من الأمور التحسينيات – وهو التعطر والتزين به – خاصة وأن هناك ما يقوم مقامه من العطور التي أباحها الله.

الدليل السابع

أن الشارع سد جميع الذرائع المفضية للسكر، فحرم الخمر ولعن فيها عشرة، وأمر بإراقتها حتى ولو كانت ليتامى، وأمر بكسر دنانها، وحرم إمساكها بوجه من الوجوه حتى لو كان لتخليلها، ونهى عن الانتباذ في الأوعية التي يدب فيها السكر وغيره.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:"إن الله حرم الخمر لما فيها من المفاسد الكثيرة المترتبة على زوال العقل، وهذا ليس مما نحن فيه، لكن حرم القطرة الواحدة منها، وحرم إمساكها للتخليل، ونجسها، لئلا تتخذ القطرة ذريعة للحسوة، ويتخذ إمساكها للتخليل ذريعة لإمساكها للشرب، ثم بالغ في سد الذريعة فنهى عن الخليطين، وعن شرب العصير بعد ثلاث، وعن الانتباذ في الأوعية التي قد يتخمر النبيذ فيها ولا يعلم به، حسماً لمادة قربان المسكر"اهـ.

وأصل سد الذرائع من الأصول التي اعتبرها الشارع، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "فإذا حرم الرب شيئاً وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقاً لتحريمه، وتثبيتاً له، ومنعاً أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضاً للتحريم، وإغراء للنفوس به، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الإباء، بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك، فإن أحدهم إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من شئ ثم أباح لهم الطرق والأسباب والذرائع الموصلة إليه لعد متناقضاً، ولحصل من رعيته وجنده ضد مقصوده"اهـ.

ومن المعروف لكل أحد أن بعض هذه العطور قد اتخذها كثير من الفساق مسكراً يتناوله كما يتناول الخمر، ولو لم يكن في هذه العطور إلا هذه المفسدة لكانت كافية في تحريمها.

الدليل الثامن

أن استعمال الخمر في التعطر والتزين والامتشاط ونحو هذا من الزينة الظاهرة من غير شرب قد وقع في زمن الصحابة والتابعين فنهى عنه الصحابة والتابعون:

•فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن المرأة تمتشط بالعسلة فيها الخمر فنهت عن ذلك أشد النهي، وقال الزهري: كانت عائشة تنهى أن تمتشط المرأة بالمسكر.

•وثبت عن ابن عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أنه بلغه أن نساء يمتشطن بالخمر، فقال: ألقى الله في رؤوسهن الحاصة.

•وذكر نساء يمتشطن بالخمر عند حذيفة فقال: لا طيبهن الله، وفي رواية (يتطيبن بالخمر لا طيبهن الله).

•وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه وجد في بيته ريح السوسن، فقال: أخرجوه، رجس من عمل الشيطان.

•وثبت النهي عن الامتشاط بالخمر عن عطاء، وعبد الكريم الجزري، وعمرو بن دينار، وقال عكرمة: لا تمتشط بمعصية الله.

•وقال ابن عمر: لو أدخلت إصبعي في خمر ما أحببت أن ترجع إلي.

•وروى ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون أن يطلوا بدردي الخمر بعد النورة.

•وروى أيضاً عن جابر بن زيد أنه سئل عن دردي الخمر هل يصلح أن يتدلك به في الحمام أو يتداوى بشئ منه في جراحة أو سواها؟ فقال: هو رجس وأمر الله تعالى باجتنابه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير