تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حين أن ترى في مجموعتك الدعوية أناس أصحاب نزعة انفرادية، من طبيعتهم العصيان وعدم التقيد بالأوامر والتوجيهات والمناصحات، في أي ميدان في الدعوة تجده يفتن وينفِّر ويصدّع الكيان رغماً عنه، هنا تكون رحمة القائد بأن يعفيه من العمل والمسؤولية، ليحفظ عليه إيمانه فضلاً عن أن وجوده من أسباب انهيار البناء الدعوي الذي تعب على تشييده أجيال ممن قبلنا.

وهذه المعاني هي تربية لنا جميعاً، وهي مسألة تنظيمية أيضا؛ فتوقيف أحد العاملين أو تجميده أو نقله من حقل إلى حقل آخر هو: اختبار له من جهة ويفسر موقفه من هذا العمل، وتمحيص لنفسه بأن نعمل لله عز وجل في أي مكان وأي موطن نوضع فيه، ورحم الله أبا مدين حين قال: "ومتى رضيت نفسك بما قدمت لله فاعلم أن الله عنك غير راض".

الرسالة الرابعة:

هناك أمور لايعلم عنها سوى الكبار في الميدان الدعوي، وليس من اللازم إخبار الجميع بها، وهذه الأمور بعضها ذو طابعٍ قاسي ينعصر القلب منه مرارةً حين يُفهم خطأً، وخاصة عندما يكون طرح الموضوع سيسبب فتنة أكبر.

فلاتلزم القائد بأن يلجأ لقضاء سليمان –عليه السلام- بين الوالدتين (المزيفة والحقيقية) وضحّت به الأم الحقيقية رأفة أن يشق إلى نصفين!!

فتحمُل أسوء السيئ خيرٌ من أن تنشطر الدعوة إلى نصفين، واعلم أن (السر) يلجم المخلص أن يبوح به، ولو صرّح به لاقتنعت نفوس واضطربت قلوب.

يجب أن نعلم أن الجُدد لا يكثرون اللغط؛ لأنهم جدد إلا إذا لغط القدماء، لأن من طبائع النفوس التقليد وخاصة ممن هو قريب منهم ومن سنّ سنّةً سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.

وقد قيل: إن حزن القلب إزاء الإساءة فطرة؛ وفي تعزية الله جل ثناؤه لرسوله الكريم –صلى الله عليه وسلم-عبرة، إذ قال: [قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لايكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون] الأنعام 33.

فكيف بمن هو أقل؛ نحن؟!!

وكيف إذا كانت الإساءة لم تصدر من عدوٍ كافر من طبيعته الإساءة، بل من مسلم بل عن أخٍ يشاطرك نفس الهم الذي تحمله، ويعمل في الصف نفسه!!

إنها التقوى؛ إذا فقدت .. فسد اللسان ولم يتحكم صاحبه في الإمساك به.

ويحدوا لنا الحادي أن: انسوا الإساءة وادعوا الله أن يمحو من ذاكرتكم كل حوادث الإساءة وسوء الظن، حتى تبرد القلوب، ولايستمر غليانها، وحقدها؛ هذه هي تصفية القلوب.

ويقول الإمام حسن البنا –رحمه الله-: "إن إساءة الكافر والمنافق لنا تقوينا، وإساءة المسلم تؤذينا".

الرسالة الخامسة:

إن من أشنع الظلم أن تتخذ أخاً لك تجعله هدفا، وتجمّع الناس والجموع ليرجموه معك!!

إننا دعاة مربون لم نجتمع ليكره بعضنا بعضا، وإنما اجتمعنا لنتعاون على مشقة هذا الطريق، ولنذيّل ونيسّر لبعضنا البعض السبل والمفاوز، ونحفظ زلة الكبير من أن تنشر بيننا.

كم من وقت يضيع ويهدر في الإصلاح بين أخوين متشاحنين؟ يضيع ويسلبه من إخوانه لإيجاد الحلول والتفكير بالعلاج، ولو صُرف في ميدان الدعوة لكان أفضل وأخير.

كثرة الأوجاع .. من كثرة الكلام ..

يكثر الهدم .. عندما يكثر الكلام والانتقاد الجارح الذي يثبت فيه عزة نفسه وصواب قوله وليس إلا أنا!!

وليس هذا دأب السلف .. ولا كانوا كذلك أبداً، بل كانوا يقلون الكلام حتى في المباح، وقد وصفهم الإمام عبدالرحمن بن مهدي –رحمه الله-فقال: "أدركت الناس وهم على الجُمَل" يقول الإمام أحمد –رحمه الله- معقباً على ذلك: "يعني لا يتكلمون ولا يتخاصمون".

فإنما هي جُمَل يسرة من الكلام بحروف معدودة، ليس وراءها إيذاء أو تخذيل أو تعكير قلوب.

ولكنها النفوس إذا بعدت عن الإخلاص وانتصرت لحظوظها!!

الرسالة السادسة:

أليس منا رجلٌ رشيد؟!!

يحكم ذلك اللسان .. الذي طالما أوجع وآذى، ونخر في البناء.

تراه يجتمع مع نديمه ويتحدثون في أمور الدعوة والقادة والمربين، ويحصون أخطائهم، ويبدأون في عد زلاتهم؛ كأن لم تكن لهم حسنة!!

ثم ينتقل ذلك الهَرْج إلى مجموعة أخرى تفسد أكثر مما تُصلِح، وليس فيهم من يقل حسبك!! إنهم إخواننا، ونحن عماد البيت فإن تآكلنا سقط!!

ورحم الله الإمام الشافعي حين قال: "من وعظ أخاه سراً فقد نَصَحَهُ وزانه، ومن وعظه علانيةً فقد فضحه وشانه".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير