6 - وقال سبحانه وتعالى " وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا "
وهي الآية التي تمسلك بها القائل بأن الأصل الإفراد لا التعدد , وفي الآية دليل (عليه) بأن الأصل التعدد , فالعدل المطالب به في الآية هو العدل بين الضرات بإتفاق أهل العلم , والله تعالى يقول " وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا " والخطاب هنا عام ولم يخصص به المعدد دون غيره , فلو كان الأصل الإفراد لأتى الخطاب لهم دون غيرهم إذ لا مجال لمخاطبة المُفرد بالعدل بين الزوجات وليس لديه إلا واحدة , ولكن الخطاب أتى بالعموم لأن الأصل في النكاح التعدد.
وأما القائل بأن الإفراد هو الأصل والأبرأ للذمة , لأن الله نفى الإستطاعة بالعدل بين النساء ولو حرص الإنسان على ذلك , فيُرد عليه بأنه نحى بعيدا بمعنى العدل فقد قال ترجمان القرآن وحبر الأمة ابن عباس – رضي الله عنهما -: " (أي لن تستطيعوا العدل) في المحبة والشهوة والجماع " تفسير ابن كثير 2/ 430 , وهذا لا يستطيعه كل أحد مهما بذل وفعل.
قال ابن القيم – رحمه الله -: " لا تجب التسوية بين النساء في المحبة فإنها لا تمُلك , وكانت عائشة رضي الله عنها أحب نسائه إليه (صلى الله عليه وسلم) , ومن هذا أنه لا تجب التسوية بينهن في الوطء لأنه موقوف على المحبة والميل وهي بيد مقلب القلوب " زاد المعاد 5/ 138.
أما الأدلة من السنة فهي عموميات وقرائن تدل على الحكم.
1 - فقد جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم , فلما أخبروا كأنهم تقالّوها , فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم! قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر , قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا , وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر , وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا , فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم , فقال: " أنتم الذين قلتم كذا وكذا! أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له , لكني أصوم وأفطر , وأصلي وأرقد , وأتزوج النساء , فمن رغب عن سنتي فليس مني "
البخاري 5/ 1949 , ومسلم 2/ 1020.
فمن سنته صلى الله عليه وسلم أن يعدد الإنسان لأنه قال صلى الله عليه وسلم: " وأتزوج النساء " وهو بأبي وأمي واحد , ثم قال: " فمن رغب عن سنتي فليس مني " أي أن هذا من سنته صلى الله عليه وسلم , وهذا من التأسي به لعموم قوله تبارك وتعالى " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ... " الآية
ولا يُقال أن هذا من التأسي العام كالتأسي بإطالة الشعر أو الإدهان غبا وغيرها , بل يقال بالسُنّية على الإطلاق بشرط المقدرة لأن الأصل في المسألة موجود وهو الزواج لقوله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ... ".
كما جاء في الصحيحين , البخاري 5/ 1950 , ومسلم 2/ 1018. فما زاد عن الواحد فهو مسنون لما تقدم.
قال ابن قدامة – رحمه الله – في معرض كلامه عن النكاح: " والنبي صلى الله عليه وسلم تزوج وبالغ في العدد وفعل ذلك أصحابه ولا يشتغل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا بالأفضل ولا تجتمع الصحابة على ترك الأفضل والاشتغال بالأدنى "
المغني 7/ 334.
2 - وقد جاء عند أبي داود 2/ 175 والنسائي 6/ 65 انه صلى الله عليه وسلم قال: " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم "
وفي هذا الحديث مستلم بن سعيد الثقفي وهو صالح الحديث وبقية إسناده ثقات فالسند مقبول.
ومعلوم أن هذه الصفة (الودود الولود) ليست حكرا على نساء هذه الأمة أو بعض نسائها ففي الأمم الأخرى شيء كثير منها , فلو كان الأصل الإفراد لستوت الصفة عندنا وعند غيرنا من الأمم ولم يكن لهذه الأمة مزية في الكثرة , لكن يقال هنا أن الأصل في النكاح التعدد لأنه من ميزات هذه الأمة ولا أقول بأن غيرها يحرمه لكن هو في المسلمين أظهر من غيرهم.
¥