ضف إلى ذلك أن البخاري ذكر أن أبا خالد لا يعرف له سماع من قتادة؛ فسقط الاستدلال بهذا الحديث جملة وتفصيلا. والله تعالى أعلم.
الدليل الثاني: حديث: (إذا نام العبد في سجوده يباهي الله تعالى به ملائكته؛ فيقول انظروا إلى عبدي، روحه عندي، وجسده في طاعتي). ()
قال الكاساني: (ولو كان النوم في الصلاة حدثا لما كان جسده في طاعة الله تعالى). ()
واعترض عليه ابن حزم من وجهين:
الوجه الأول: أنه مرسل لم يخبر الحسن ممن سمعه.
الوجه الثاني: أنه لو صح لم يكن فيه إسقاط الوضوء عنه. ()
قلت: وهو كما قال رحمه الله تعالى؛ فإن استدلال الحنفيين بقول الحسن البصري رحمه الله تعالى في مثل هذا لمن الغرائب؛ لأن قول الصحابي إذا لم يكن مرفوعا أو كان له حكم الرفع؛ فإنه لا يعتبر دليلا؛ فما بالك بغيره.
وكل الروايات التي روي فيها رفع هذا الحديث اتفق الحفاظ على تضعيفها؛ فقد رواه البيهقي عن أنس، وقال ليس إسناده بالقوي، ورواه الدارقطني في علله من رواية الحسن عن أبي هريرة، وقال: لا يثبت سماع الحسن من أبي هريرة، ورواه ابن شاهين من رواية عطية عن أبي سعيد، وعطية تالف. ()
أدلة القول الرابع:
الدليل الأول: قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم).
فقد ذكر سبحانه نواقض الوضوء ولم يذكر النوم. ()
واعترض الاستدلال بهذه الآية من وجهين:
الوجه الأول: أن جماعة من المفسرين قالوا: وردت الآية في النوم أي إذا قمتم إلى الصلاة من النوم فاغسلوا وجوهكم. ()
قال النووي: ( .. وكذا حكاه الشافعي في الأم عن بعض أهل العلم بالقرآن، قال: ولا أراه إلا كما قال). ()
الوجه الثاني: أن الآية ذكر فيها بعض النواقض، وبينت السنة الباقي، ولهذا لم يذكر البول، وهو حدث بالإجماع. ()
الدليل الثاني: حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: لا وضوء إلا من صوت أو ريح. ()
قال البيهقي: هذا حديث ثابت قد اتفق الشيخان على إخراج معناه من حديث عبد الله بن زيد.
قلت: في هذا الحديث علة دقيقة بينها ابن أبي حاتم فقال: (سمعت أبي وذكر حديث شعبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا: "لا وضوء إلا من صوت أو ريح" فقال أبي: هذا وهم، اختصر شعبة متن الحديث؛ فقال: لا وضوء إلا من صوت أو ريح، ورواه أصحاب سهيل بلفظ: "إذا كان أحدكم في الصلاة؛ فوجد ريحا من نفسه؛ فلا يخرج حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا"). ()
فاتضح بهذا أنه لا دليل فيه على أن النوم ليس بناقض.
واعترض الاستدلال بهذا الحديث من حيث المعنى: بأنه ورد في دفع الشك لا في بيان أعيان الأحداث وحصرها، ولهذا لم يذكر فيه البول، والغائط، وزوال العقل، وهي أحداث بالإجماع. ()
الدليل الثالث: حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على ميمونة فنام عندها حتى سمعنا غطيطه، ثم صلى ولم يتوضأ. ()
واعترض عليه ابن حزم رحمه الله تعالى فقال: (وهذا لا حجة لهم فيه؛ لأن عائشة رضي الله عنها ذكرت أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتنام قبل أن توتر قال: "إن عيني تنامان ولا ينام قلبي" () فصح أنه عليه السلام بخلاف الناس في ذلك، وصح أن نوم القلب الموجود من كل من دونه هو النوم الموجب للوضوء؛ فسقط هذا القول ولله الحمد) ()
قلت: ولا شك أن قوله صلى الله عليه وسلم: "إن عيناي" يدل دلالة واضحة لا لبس فيها على أن ذلك من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، فلا يصلح دليلا في محل النزاع. والله تعالى أعلم.
الدليل الرابع: حديث: (إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإنه لعله يذهب يستغفر ربه فيسب نفسه) ()
الدليل الخامس: حديث أنس: (إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يدري ما يقرأ) ()
واعترض ابن حزم على الاستدلال بهذين الحديثين فقال: (هذان صحيحان، وهما حجة لنا؛ لأن فيهما أن الناعس لا يدري ما يقرأ، ولا ما يقول، والنهي عن الصلاة على تلك الحال جملة؛ فإذ الناعس لا يدري ما يقول فهو في حال ذهاب العقل بلا شك، ولا يختلفون أن من ذهب عقله بطلت طهارته؛ فيلزمهم أن يكون النوم كذلك). ()
الدليل السادس: حديث شعبة عن قتادة قال سمعت أنسا يقول: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون، ثم يصلون ولا يتوضؤون.
¥