ثم إن نسخة الليثي ونسخة القعنبي تكاد تتفق في طريقة تبويب الكتب إلى أبواب فقهية تسهل للباحث البحث في المواضيع التي يريد درسها.
كذلك تتفق النسختان في عدد الأحاديث الواردة في كتاب "وقوت الصلاة". فقد بلغت اثنتا عشر حديثاً (باب وقوت الصلاة).
وهذه الأحاديث قد وقع فيها نقص أو زيادة بعض الألفاظ التي لا تأثير لها على المسائل الفقهية الحقيقية والمراد تبليغها. فعدد الأحاديث التي لم يقع فيها نقص ولا زيادة هي: اثنان. أما الأحاديث التي وقعت فيها الزيادة في نسخة القعنبي على نسخة الليثي فهي واحد. والأحاديث التي وقعت فيها زيادة في نسخة الليثي على نسخة العقنبي هي: سبعة.
كذلك هناك أحاديث طرأ فيها نقص في نسخة القعنبي على نسخة الليثي وعدد واحد، كما أن هناك حديث واحد وقع فيه تغيير كلمة بكلمة أخرى رغم اتفاقهما في المعنى.
هذا هو باختصار وجهة الاتفاق ووجهة الاختلاف ([4]) الذي حصل بين نسخة الليثي ونسخة القعنبي.
وكل ما يمكن أن نختم به هو الإشارة إلى كون روايتي الليثي والقعنبي متقاربتان في المنهج رغم ما طرأ بينهما من زيادة أو نقص - سبق أن أشرنا - إلى كونها لم تؤثر في فحوى الأحاديث.
وهذا التقارب والاتفاق بين النسختين يرجع إلى أن كلاًّ من القعنبي والليثي قد سمعا "الموطأ" من مالك مباشرة من ناحية، ثم إن سماعهما يكاد يكون في نفس الفترة الزمنية من ناحية أخرى، بحيث أن القعنبي توفي سنة 221 ه، أي بعد وفاة الإمام مالك رضي الله عنه بفترة طويلة وكان قد اطلع على ما استقر عليه الإمام مالك في "الموطأ". ويؤيد هذا الرأي الذي ذهبنا إليه قول أبي الحسن الميمون الذي يقول: «سمعت القعنبي يقول: اختلفت إلى مالك ثلاثين سنة ما من حديث في "الموطأ" إلا لو شئت قلت سمعته مراراً ولكن اقتصرت في قراءتي عليه لأن مالك كان يذهب إلى أنّ قراءة الرجل على العالم أثبت من قراءة العالم عليه» ([5]).
كذلك الليثي قد سنحت له الفرصة أن يأخذ "الموطأ" عن مالك في أخريات أيامه فكان بذلك ملماً بما استقر عليه مالك في المذهب إلا أن الفرق الوحيد الذي جعل العلماء يعتمدون رواية الليثي دون غيرها من الروايات بما فيها رواية القعنبي هو كمالها فهي مشتملة على كل كتب "الموطأ" في حين أن رواية القعنبي تنقصها كتب كثيرة هامة.
مقارنة بين رواية الليثي ورواية ابن زياد
لقد روى علي ابن زياد التونسي ويحيى بن يحيى الليثي "الموطأ" عن الإمام مالك مباشرة وهذا الاتفاق بين ابن زياد والليثي في الرواية عن مالك بدون واسطة، ربما ييسر لنا المقارنة بين روايتيهما، ويقول الشيخ محمد الشاذلي النيفر في هذا الشأن: «فلهذا ما ظفرنا به من "موطأ" ابن زياد يعطينا الصورة الأولى "للموطأ"، وبمقابلته على "موطأ" يحيى بن يحيى الليثي ندرك كيف تطور تأليف هذا من حال إلى أخرى، والنسبة بينهما، وهذا الشيء له قيمته في التأليف المعدود أقدم تأليف في الحديث النبوي وصلنا بهذا الصورة المتواترة الحافظة لنا الشيء الكثير من حديث الرسول والآثار القوية» ([6]).
والمثال الذي اعتمدناه للمقارنة بين الروايتين هو "كتاب الضحايا".
1. أول كتاب من القطعة المتبقاة من "موطأ" ابن زياد ويستهله صاحبه بقوله:
بسم الله الرحمان الرحيم
الضحايا
حدثنا علي بن زياد ... (الحديث الأول)
وإذا عدنا إلى نسخة يحيى بن يحيى الليثي المشهورة نجده يعنون بقوله:
كتاب الضحايا
بسم الله الرحمان الرحيم
كما جاء في النسخ الصحيحة المطبوعة في تونس ([7])، وتختلف هذه النسخة عن نسخة ابن زياد في إضافة لفظة كتاب إلى الضحايا وفي إيراد البسملة بعد عنوان "كتاب الضحايا". أما النسخة المعتمدة في شرح "الموطأ" للباجي ([8])، من رواية يحيى بن يحيى الليثي فإنها تخالف النسخة التي طبعت في تونس وتتفق مع نسخة ابن زياد في تقديم البسملة على العنوان.
وهذا الاختلاف الجزئي لا يرد إلى الإمام مالك بل يرد إلى اجتهاد الراوين عنه.
¥