تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2. إن المتأمل في نسخة ابن زياد يجدها خالية من الكثير من الأبواب التي وردت في نسخة الليثي وهذا يعود إلى العامل الزمني أي أن الإمام بعد التفصيل بالكتب (الضحايا - الحقيقة - الذكاة ... ) في المدة التي أخذ عنه فيها ابن زياد زاد تفصيلاً بالأبواب في مدة لاحقة لكي ييسر على الباحث حيث يرى المواضيع مفصلة. وهنا يظهر تطور تأليف الإمام مالك من حال إلى أحسن منها. ففي فترة ما قبل 170 ه التي أخذ عنه ابن زياد، كان مالك رضي الله عنه يقتصر على الكتب ثم تطور أسلوبه فيما بعد إلى أن بلغه الليثي قبل وفاته بقليل فوجده يعنون بالكتب والأبواب معاً، وفي ذلك تطور ملحوظ ومفيد للدارس. وعبارة القاضي عياض في المدارك تؤكد ما ذهبنا إليه من كون الليثي لقي مالك في أواخر حياته إذ يقول: «وكان لقاؤه لمالك سنة تسع وسبعين السنة التي مات فيها مالك» ([9]).

إن المتضح من الفروق التي ذكرناها بين نسخة ابن زياد ونسخة الليثي هو أن هذه الأخيرة تمتاز عن الأولى بالتبويب الذي يدلنا على فقه الحديث من العنوان. وهذه الطريقة في نسخة يحيى من جعل فقه المسألة في العنوان هي التي تبرز قيمة الربط بين نصوص المذهب المالكي قديمها وحديثها.

فالفقه المالكي كما يذكر الشيخ محمد الشاذلي النيفر: «من لدنّ الإمام إلى ما بعد عصره يقرون كما يتغير وجهه وإنما قصارى ما وقع إثراؤه وجمعه بصورة تلم ما وزع في أمهات بتبسط وذلك بالنظر إلى ما استنبطه الإمام من الكتاب الكريم والسنة النبوية وكذلك ما ضمه تلاميذه السائرون على خطاه فكان عمل المتأخرين هو لَمّ المتفرق والتنسيق بين مسائله». إلا أن ما بينهما من هذه القولة هو عبارة «لم يتغير وجهة - أي الفقه المالكي - وإنما قصارى ما وقع هو إثراؤه وجمعه بصورة تلمّ ما وزع في الأمهات بتبسط». فابن زياد في "موطئه" يذكر الأمهات يقول مثلاً: «الضحايا ويستغني حتى عن كلمة كتاب، وللبحث أن يجهد نفسه ويطلع على الأحاديث ويستنتج فقهها ويلمّ ما وزع منها في الموضوع الواحد».

أما في نسخة يحيى فإن الباحث يسهل عليه البحث لأن يحيى لما وزع في الأمهات وإن كان في الحقيقة ليس هو الذي لَمّه بل الإمام مالك نفسه - كما أشرنا من قبل - كما أن الطريقة التي نراها في نسخة يحيى بن يحيى الليثي من جعل فقه المسألة في العنوان هي التي توسع فيها البخاري في "جامعه الصحيح"، فجعل هذا التوضيح يظهر أن "موطأ" ابن زياد من الخطوات الأولى للإمام مالك في تدريس "الموطأ". في "الضحايا" مثلاً يدرج ابن زياد أحاديثاً وآثار مختلفة المسائل تحت عنوان كبير "الضحايا" بدون تفصيل، وهذه القطعة الغير المفصلة في نسخة ابن زياد نجدها مفصلة إلى الأبواب الآتية في نسخة يحيى:

? باب ما ينهى عنه من الضحايا.

? باب ما يستحب من الضحايا.

? باب النهي عن ذبح الضحية قبل انصراف الإمام.

? باب ادخار لحوم الأضاحي.

? المشاركة في الضحية وعن كم تذبح البقرة والبدنة.

3. ثم إننا إذا ما تفحصنا "كتاب الضحايا" في رواية ابن زياد ورواية يحيى بن يحيى الليثي نجد أن عدد الأحاديث والآثار في الرواية الأولى بلغ الثلاثة والثلاثين بينما في رواية يحيى تقلص العدد إلى ثلاثة عشر، ونتساءل ما السبب في هذا التقليص وهل يرجع إلى الإمام مالك نفسه أم هو من اجتهاد الرواة؟ والإجابة على هذا السؤال تقتضي هنا أن نعود فنتبين سنة الإمام مالك رضي الله عنه في التأليف أي أنه رضي الله عنه كان بعيد النظر في "موطئه" طيلة حياته فيضيف ما يراه صالحاً ويزيل ما لا يرى فائدة فيه بدون الإخلال بالغاية التي من أجلها ألّف "الموطأ"، وسنورد مثلاً لذلك - إن شاء الله - وهذه الطريقة التي توخاها الإمام مالك في الانتقاء المستمر جعلت الروايات تختلف لأن الرواة لم يأخذوا عن مالك في زمن واحد، ويبرز الشيخ محمد الشاذلي النيفر هذا بالإشارة إلى ما قاله الحافظ صلاح الدين العلائي ([10]) في "الدرر الكامنة": «روى "الموطأ" عن مالك جماعات كثيرة وبين رواياتهم اختلاف من تقديم وتأخير وزيادة ونقصان. وأكبرها رواية القعنبي، ومن أكبرها وأكثرها زيادات رواية أبي مصعب، فقد قال ابن حزم في "موطأ" أبي مصعب زيادة على سائر الموطآت نحو مائة حديث» ([11]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير