تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما قال القطّان: «كل علم الناس في زيادة وعلم مالك في نقصان، لو عاش مالك لأسقط علمه كله، يحني تحرّياً».

لكن الشيخ محمد الشاذلي النيفر نفى أن يكون هذا متصلاً باختلاف الموطآت لأن قصارى ما كان من اختلاف بين الموطآت هو أن بينهما اختلافاً في التقديم والتأخير والزيادة والنقص أما بعضها يزيد على البعض بأضعاف مضاعفة، فذلك مما غيرها وهنا يمكن إدراج المثال الذي وعدنا بإدراجه سابقاً - لعله يوضح لنا ما ذهب إليه الشيخ محمد الشاذلي النيفر، وهذا ما أراه بدوري، أي أن النقص ليس في الأحاديث وإنما في الآثار كما في هذا المثال: تذكر نسخة ابن زياد بعد الحديث المصدر في "كتاب الضحايا"، الأثر الذي رواه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول: «في الضحايا والبدن والثني، فما فوقه وهذه الرواية عن ابن عمر لا تجد لها ذكراً في "موطأ" الليثي». ثم جاء في "موطأ" ابن زياد أثر ثان عن ابن عمر وهو: «وحدثنا عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: اتق من الضحايا والبدن التي لم تسنّ والتي نقص من خلقها». ومثل هذه الرواية ورد في "موطأ" يحيى ونصها: «وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله ابن عمر: كان يتقي من الضحايا والبدن التي لم تسنّ والتي نقص من خلقها». قال مالك: «وهذا أحبّ ما سمعت إلي». وتتبع هذا الأثر زيادة لم تذكر في نسخة ابن زياد وهي قول مالك: «وهذا أحبّ ما سمعت إلي».

ويقول الشيخ محمد الشاذلي النيفر: «وإنما لم يذكر مالك حين إسماعه ليحيى أثر الأول المروي عن ابن عمر لأن الأثر الثاني فيه ما في الأول وزيادة وذلك لأن فيه اشتراط السنّ في الضحايا والهدايا مع اشتراط عدم النقص فيها لأن قوله: "لم تسنّ"، يفيد أنه بلغت سناً مخصوصة».

4. من هذا المثال السابق يتضح لنا كذلك أن نسخة الليثي فيها جمالاً توضحه نسخة بن زياد يذكرها فيما يستحب من الضحايا نقلين عن ابن عمر لأن انتقاء التي لم تسنّ الذي ورد في النقل الثاني الذي اقتصر عليه يحيى يفيد أنها كبرت لكن لا يحدد السن بخلاف اشتراط الثني في الضحايا والبدن الذي ورد في النقل الأول عن ابن عمر في نسخة ابن زياد، يفيد السن المطلوبة في كل منها لأن الثني من الإبل: ما له خمس سنين وطعن في السادسة، ومن البقر: ما له ثلاث سنين وطعن في الرابعة، ومن الغنم: ما له سنة وطعن في الثانية، وهذا ما لاحظه الشيخ محمد الشاذلي النيفر ([12]). إذ يؤكد على تطور تأليف "الموطأ" من حالته التحليلية إلى ما هو عليه من إجمال في نسخة يحيى بقوله: «وهذا يدلنا على أن الإمام التزم "الموطأ" في روايته ولكنه لم يكن في كل الروايات يلتزم طريقة واحدة، بل كان ينقع ويهذب». والتنقيع يقتضي الإجمال، ومن هنا نستنتج أن الموطأ لم تقتصر على ما هو موجود في رواياتها الأخيرة لأن نسخة يحيى مثلاً وهو الذي أخذ عن مالك سنة وفاته لا تشتمل إلا على قواعد التي استقر عليها الإمام في تأليفه هذا الكتاب وهي كما ذكرها المحقق "موطأ" ابن زياد:

أولاً: إنه بنى كتابه على أحاديث رسول الله فإنه اعتمد أقوى ما ثبت من الصحيح. فبذلك كان كتابه الأساس الأول للأحاديث الصحيحة.

ثانياً: اعتماده على القضايا العمرية لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد طالت مدته في الخلافة وأمكن للنقلة أن ينقلوا قضاياه، ثم إن هذه القضايا قد تلقاها الصحابة بالإجماع فهي من الأمر المجمع عليه من أصحاب النبي فهي الحرية بالاعتماد. وما أخذ المسلمون بالقضايا العمرية التي اعتمدها مالك إلا لأنهم علموا علم اليقين أن عمر ابن الخطاب موفق في ذلك لتحريه البالغ وسداد رأيه.

ثالثاً: ارتكاز "الموطأ" على ما رواه ابن عمر وما اختاره وعمل به. ونجد ذلك في "الموطأ" واضحاً جلياً لأن ابن عمر كان من أشد الناس تمسكاً بما ثبت عن النبي مع اعتنائه بتتبع النبي حتى يقتدى به في كل أعماله. وهذا ما قاله ابن شهاب كما رواه عنه مالك ونصه: «لا تعدلنّ عن رأي ابن عمر فإنه قام بعد رسول الله ستين سنة فلم يخف عليه شيء من أمر رسول الله وأصحابه».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير