«عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الله بن واقد بن عبد الله أنه قال: نهي رسول الله عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاثة أيام. قال عبد الله بن أبي بكر: فذكرت لعمرة بنت عبد الرحمان، فقالت: صدق، سمعت عائشة زوج رسول الله تقول: دفّ من أهل البادية حضر الأضحى في زمان رسول الله فقال رسول الله: ادخروا لثلاث وتصدقوا بما بقي. قالت: فلما كان بعد ذلك قيل: لرسول الله لقد كان الناس ينتفعون بضحاياهم ويجملون منها الودك ويتخذون منها الأسقية، فقال رسول الله: وما ذلك أو كما قال، قالوا: نهيت عن لحوم الضحايا بعد ثلاث، فقال رسول الله: إنما نهيتكم من أجل الدافة ([19]) التي دفّت عليكم فكلوا وتصدقوا وأخروا».
2. الحديث السادس عشر من "كتاب الضحايا" في "موطأ" ابن زياد: «عن مالك بن أبي عبد الرحمان عن أبي سعيد الخدري أنه قدم من سفر فقرب إليه أهله لحماً فقال: انظروا أن يكون هذا من لحوم الضحايا فقالوا: هو منها فقال أبو سعيد: ألم يكن رسول الله نهى عنها: قالوا: إنه قد كان من رسول الله عليه السلام وفيها بعدك أمر، فخرج أبو سعيد فسأل عن ذلك فأخبر أن رسول الله قال: نهيتكم عن لحوم الضحايا بعد ثلاث فكلوا وادخروا، أو نهيتكم عن الانتباذ فانتبذوا وكل مسكر حرام ونهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا مُجْرا يعني سوءاً.
ورد هذا الحديث من "موطأ" يحيى بن يحيى الليثي تحت عنوان "ادخار لحوم الأضاحي" ([20]). لكن بعض الاختلاف نشير إليه:
"موطأ" ابن زياد
"موطأ" يحيى بن يحيى الليثي
فقرّب
فقدم
من لحوم الضحايا
من لحوم الأضاحي
فيها بعدك
بعدك
نهيتكم عن لحوم الضحايا
نهيتكم عن لحوم الأضحى
فكلوا وادخروا
فكلوا وتصدقوا وادخروا
يعني سوءاً
يعني لا تقولوا سوءاً
وهذا نص الحديث كما جاء في "موطأ" يحيى بن يحيى الليثي:
«عن مالك عن ربيعة عن أبي عبد الرحمان عن أبي سعيد الخدري أنه قدم من سفر فقدم إليه أهله لحماً فقال: انظروا أن يكون هذا من لحوم الأضحى فقالوا: هو منها فقال أبو سعيد: ألم يكن رسول الله نهى عنها: فقالوا: إنه قد كان من رسول الله عليه السلام بعد أمر، فخرج أبو سعيد فسأل عن ذلك فأخبر أن رسول الله قال: نهيتكم عن لحوم الأضحى بعد ثلاث فكلوا وتصدقوا وادخروا، ونهيتكم عن الانتباذ فانتبذوا وكل مسكر حرام ونهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا مُجْرا يعني لا تقولوا سوءاً».
خاتمة
بعد هذه المقارنة الموجزة بين "كتاب الضحايا" من "موطأ" ابن زياد وبين نفس الكتاب من "موطأ" يحيى بن يحيى الليثي يمكن استنتاج قيمة الربط بين نصوص المذهب المالكي القديمة والحديثة والغرض الذي من أجله تقارن الروايات بعضها ببعض وأول غرض يتمثل في إبراز مدى استقرار الفقه المالكي حتى أنه رغم مرور القرون الموالية عليه لم يفقد خصائصه ومبادئه التي وضعها الإمام مالك له.
وحتى وإن قال البعض إن فقه مالك قد تغير فإن هذا فيه نظر لأن الفقه المالكي من لدنّ الإمام حتى القرن الثاني عشر لم يقع فيه تغيير وبعد هذا القرن ضعفت العناية بالفقه وانعدم التأليف الفقهي.
إذن ففقه مالك لم يتغير لكن وقع إثراؤه وجمعه كما يذكر الشيخ محمد الشاذلي النيفر: «إنما قصارى ما وقع هو إثراؤه وجمعه بصورة تلمّ ما وزع في الأمهات بتبسط. وذلك بالنظر إلى ما استنبطه الإمام من الكتاب الكريم والسنة النبوية، وكذلك ما ضمنه تلاميذه السائرون على خطاه فكان عمل المتأخرين هو لَمّ المتفرق والتنسيق بين مسائله».
والغرض الثاني هو تتبع تدرج المسائل الفقهية من الكتاب الكريم والسنة النبوية باستنباط مالك رضي الله عنه إلى هذه القرون المتوالية مع الاهتمام بطريقة كل راو في روايته.
وهكذا يتجلى لنا أن رواية ابن زياد هي مرحلة أولى من مراحل "الموطأ" التي مر بها مالك مرحلة الجمع والتأليف بين هذه الآثار من القرآن والسنة وأعمال الصحابة وأهل المدينة وغيرها.
ورواية القعنبي ورواية الليثي هما المرحلة الثانية التي بلغها مالك وانتهى إليها بعد التنقيح والتنسيق بين هذه المسائل الفقهية وبعد إثرائها باستنباطاته واجتهاده الخاص.
¥