لو خاطبنا الله بكيفيات صفاته لسارعت عقول بني ادم الى التكذيب لان عقول بني ادم لها مجال تعمل فيه مثل السمع والبصر والشم وسائر الحواس فما خرج على هذا المجال اصبح من قبيل المستحيلات التي لاتدركها العقول فتسارع الى نفيها بالطبع البشري ولان العقول مجبولة بعدم التصديق الا بما هو معقول الى حد معين فالله منعهم من الرؤية لضعفهم عنها وكذلك لم يخاطبهم عن الكيفية لضعفهم عن ادراكها وهي غير معارضة للعقل ولكن نضعف عن ادراكها والمتكلمون لما حكمو عقولهم في الامور الغيبية وارادو ان يصلو الى فهم حقيقة القضاء والقدر والصفات الالهية دون نظر في النصوص ضلو لان هذه المسائل بضاعتها التسليم
ولا تسئل لما وكيف قال تعالى *لايسال عما يفعل وهم يسالون*
كل ما يخطر في الجوانح من التصورات والجوارح
فربنا الله العظيم المالك جل وعز بخلاف ذلك
تحيرت في كنهه العقول ليس الى ادراكها سبيل
وهاك فائدة عزيزة
قول الامام مالك الاستواء غير مجهول والكيف غير معلوم فلو لم يكن معنى الاستواء في الاية معلوما لم يحتج ان يقل والكيف مجهول لان نفي العلم بالكيف لا ينفي الا ما قد علم اصله
وأهل التفويض وقعوا في التجهيل، يسميهم شيخ الإسلام في الحموية: "أهل التجهيل لأن مذهبَهم يتضمن تجهيل الرسول والصحابة بمعاني نصوص الصفات.
ومعلوم أنَّ المعاني في الشيء الواحد تتفاوت، فمثلاً إذا أخذت السمع، إذا أخذت البصر، إذا أخذت القوة، خذ القوة مثلا والقدرة، الكائن الضعيف، النملة لها قوة ولها قدرة ولها نطق ولها سمع ولها بصر، فأصل القوة موجود فيها؛ يعني معنى القوة موجود فيها، ما هو أعلى منها في الخِلْقة من جهة مثلاً الهرة موجود عندها قوة، لاشك موجود عندها، بصر موجود عندها سمع، موجود عندها قدرة على أشياء، خذ الأعلى منها الأعلى إلى أن تصل إلى الإنسان إلى أن تصل من الحيونات إلى ما هو من جهة القوة والقدرة أقوى من الإنسان يعني بذاته يعني من جهة الحوانات المفترسة كالأسد ونحو ذلك.
إذاً القوة قدر مشترك، القدرة قدر مشترك؛ لكن نقول إنه مادام أنها في النملة مختلفة عن الإنسان، نقول: لا فالإنسان ماله قوة لأنَّ قوة النملة هذه، هذا تحديد للصفة ببعض أفردها، ببعض من يتصف بها وهذا جناية على المعنى الكلي؛ لأنَّ اللغة العربية كليات، فيها كليات المعاني، أما الذي يوجد في الخارج فيه الذوات نعم نقول جدار جبل يد أشياء هذه تتصورها؛ لكن من جهة المعاني، المعاني تتصور هذا المعنى بالإضافة إلى من اتصف به.
ولهذا شيخ الإسلام انتبه لقوة هذا المعنى في الرد في المبتدعة الصفاتية والجهمية وغيرهم، فقرَّرَهُ في كتابه التدمرية كما تعلمون.
إذاً فتفويض المعنى، المعنى أصلاً متفاوت فإذا فوضنا المعنى معناه أننا لا نعلم أي قدر من المعنى، وهذا لاشك أنه نفي وجهالة بجميع دلالات النصوص على الأمور الغيبية، وهذا باطل؛ لأنَّ القرآن حجة، وجعله الله ? دالاً على ما يجب له ? وما يتّصف به ربنا ? من نعوت الجلال والجمال والكمال.
من شرح الطحاوية (الشيخ صالح آل شيخ) حفظه الله