تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[حكم السجود أمام الصنم ـ للشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر البراك]

ـ[أبو محمد عبد الله الحسن]ــــــــ[29 - 09 - 10, 12:38 م]ـ

السؤال:

ما قول أهل العلم في قول من يقرر أن السجود قدام الصنم لا يكون كفرا وشركا، ولو أقر بلسانه أنه يسجد للصنم، أو أظهر بهذا السجود موافقة المشركين على دينهم مادام أنه في الباطن لم يقصد السجود، ويقرر أن المشرك الوثني لو عرف صحة دين الإسلام وأقر به لكنها مداهنة لقومه وخوفا من الملامة والعيب يسجد معهم ــ طوعا ــ لأوثانهم، ويذبح لها ويطوف بها ويظهر تعظيمها، ولا يصرح بالبراءة منها، فمثل هذا لا يحكم بكفره مع كونه لآثما.

وربما احتج هذا المقرِّر بكلام متشابه منسوب لشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله

فما تقولون في ذلكم؟ حفظكم الله.

الجواب:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، أما بعد:

فإن من المعلوم أن الكفر والإيمان يتعلقان بالظاهر والباطن، والناس بهذا الاعتبار أربعة أقسام:

القسم الأوّل: مؤمن ظاهراً وباطناً.

القسم الثاني: كافر ظاهراً وباطناً.

القسم الثالث: مؤمن ظاهراً لا باطناً، وهو المنافق، وهذه الأقسام هي التي ذكرها الله في أول سورة البقرة، وفي مواضع أخرى من القرآن.

وأما القسم الرابع فهو مَن أظهر الكفر قولاً أو فعلاً مكرهاً وقلبه مطمئن بالإيمان، كالرجل من آل فرعون الذي يكتم إيمانه خوفاً من فرعون وملئه، ومثل الذي نزلت فيهم هذه الآية: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْد إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلِيهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النحل)، فدل هذا الاستثناء على أن من أظهر الكفر بقول، أو فعل وهو غير مكره، بل هازلاً أو مداهناً أو طامعاً فهو ممن شرح بالكفر صدراً، لأن ما أظهره من الكفر هو فيه مختار، والاختيار إنما يكون مع شرح الصدر، فيكون ممن كفر ظاهراً وباطنًا، ولهذا قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْد إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً} الآية قال شيخ الإسلام: ((وهذه الآية مما يدل على فساد قول جهم ومن اتبعه، فإن الله جعل كل من تكلم بالكفر من أهل وعيد الكفار، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، فإن قيل فقد قال تعالى: (ولكن من شرح بالكفر صدرًا) قيل: وهذا موافق لأولها فإنه من كفر من غير إكراه فقد شرح بالكفر صدرا، وإلا ناقص أولَ الآية آخرهُا)) (مجموع الفتاوى) (7/ 220).

إذا ثبت هذا فمَن أظهر الموافقة للمشركين بأن دعوه للسجود لصنمهم أو الذبح له فأجابهم طائعاً مختاراً لأي غرض من الأغراض، وزعم أنه إنما سجد لله وذبح لله فهو ممن كفر بالله وشرح بالكفر صدراً، وأبلغ من هذا أن من أقرَّ للمشركين بأنه يسجد لصنمهم ويذبح له ثم يدعي أنه يكذب عليهم، وهذا مثل من يقول لليهود أو النصارى أو المشركين: إن الدين الذي أنتم عليه حق، ويزعم أنه يفعل ذلك لتبقى منزلته عندهم فيبقى معظمًا محترمًا، أو لينال حظاً من الحظوظ الدنيوية على أيديهم، فكل هؤلاء داخلون في عموم قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْد إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلِيهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فلم يستثن من الوصف بالكفر والوعيد إلا المكره.

ولو كان مَن أظهر الكفر مختارا ًلا يعد كافراً ظاهراً وباطناً لما حكم الله بالكفر على المستهزئين في قوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهِزئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} (التوبة)، قال شيخ الإسلام تعليقًا على هذه الآيات: (فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل كنا نخوض ونلعب، وبين أن الاستهزاء بآيات الله كفر ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدره بهذا الكلام، ولو كان الإيمان في قلبه منعه أن يتكلم بهذا الكلام)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير