[دلالات خوارق العادات]
ـ[حاتم الحاجري]ــــــــ[01 - 08 - 10, 10:27 م]ـ
مما يتعلق بتمييز الكرامة عن غيرها مِن خوارق العادات؛ التمييز بين الولي الذي يجوز أن تحدُث له الكرامة، وبين مَن هو أعلى منه مَنزلة وهو النبي، أو من يَدَّعي مثل منزلته كذباً وبُهتاناً وهو المُشَعوِذ والساحر وغيرهما.
فأما الفرق بين النبي والولي مِن جهة الخارق الذي يجري على يد كلٍ منهما، فإن النبي تجري على يده المعجزات وهي نوعان، سماها ابن تيمية معجزات كُبرى وهي دليل صدقه، ونوع من التوابع والنوافل سماها معجزات صُغرى.
والولي تحدُث على يده الكرامات، وقد تشتبه بالمعجزات الصُغرى أو تُماثلها، ولكن النبي يختص بالعصمة دون الولي، فالمعجزة للنبي دليل على عصمته من الخطأ فيما أُرسِلَ مِن أجله، وهو التشريع. أما الولي فكرامته إنما تدل على صدق النبي الذي آمن به هذا الولي واتبعه في شريعته، ولا تدل بحال على عصمته هو مِن أن يُخطيء في بعض أعماله أو عباداته أو توجيهاته؛ لأنه لم يُرسَل ويُصطَفى مِن الله عز وجل لهذا الغرض كالنبي، وإنما هو مجتهد فيه. أما النبي فقد اصطفاه الله مِن عباده لهذا الغرض.
ومِن هنا وجبت طاعة النبي مُطلقاً، بينما لا تجب طاعة الولي مُطلقاً إلا فيما دَلَّ عليه دليل شرعي واضح. وفارِق آخر بين المعجزة والكرامة هو أن الكرامة تحدث بحسب حاجة الولي، فإذا احتاج إليها لتقوية إيمانه جاءه منها ما يكفيه لتقوية إيمانه، أو احتاج إليها لفك ضيقٍ عليه أو على مَن يدعو له جاءه مِن ذلك ما يُفرِّج كربته ويجيب دعاءه، بخلاف المعجزات فإنها لا تكون إلا لحاجة الخَلق وهدايتهم.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية ما نصه: "وكرامات الصالحين تدُل على صحة الدين الذي جاء به الرسول، ولا تدل على أن الولي معصوم ولا على أنه يجب طاعته في كل ما يقوله. ومن هنا ضل كثير مِن الناس مِن النصارى وغيرهم، فإن الحواريين مثلاً كانت لهم كرامات، كما تكون الكرامات لصالحي هذه الأمة، فظنوا أن ذلك يستلزم عصمتهم كما يستلزم عصمة الأنبياء، فصاروا يوجِبون موافقتهم في كل كا يقولون، وهذا غلط". من كتاب الفُرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص29 لابن تيمية.
والحقيقة أن كثير من المسلمين أيضاً قد وقع فيما وقع فيه النصارى مِن الخطأ الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، فبمجرد أن يُشتَهَر شخص بشيء من الكرامات ترتفع درجة الثقة في أقواله وتوجيهاته وأوامره ونواهيه إلى حد أن أكثر الناس لا يَقْبل فيها جدلاً البتة.
"وأما التمييز بين الولي الصادق الذي قد تجري على يديه الكرامات مِن الدَّعِيِّ الكاذب الذي يُمَوِهُ على الناس ويخدعهم، فإنما يكون ذلك بحسب صلاحه وتقواه مِن قيامه بالفرائض والنوافل واتقائه الكبائر والصغائر واتصافه بالصفات الكريمة واستدامته عليها، فإن اتصف شخص بكل هذه الصفات الطيبة وعُرِفَت عنه ثم حدث على يديه شيء من الخوارق فيما لا يُخالف الشرع، فيجوز أن يُطلَق على ذلك اسم كرامة.
أما إن كان الرجل على خلاف ذلك، مُشتهِراً بالفسق والفساد والضلال وغير ذلك، فإن كُل ما يجري على يديه لا يُعْتَدُّ به بالغاً ما بلغ. والله أعلم". انظر كتاب موقف ابن تيمية من التصوف والصوفية لـ د. أحمد بن محمد بناني ص236، 237 وكتاب شُبُهات التصوف لـ د. عمر بن عبد العزيز قريشي ص138.
كتبه: فضيلة الشيخ محمد إسماعيل المُقَدِّم
من كتاب: أُصُول بِلا أُصُول