وأما تنكيس الآيات أيضاً؛ فمحرَّم على القول الرَّاجح؛ لأن ترتيب الآيات توقيفي، ومعنى توقيفي: أنه يُتوقَّفُ فيه على ما وَرَدَ به الشَّرعُ. ولهذا تَجِدُ أحياناً بعضَ الآيات بين آيات لا يَظهرُ لك تَعَلُّقُها بها، أو مقدَّماً على ما سَبَقَه في النُّزول مما يدلُّ على أن الأمر توقيفي مثل: قوله تعالى:) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (البقرة: من الآية234) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ) (البقرة: من الآية240الأولى: سابقة بالقراءة.
والثانية: أسبق نزولاً، ولو كان التَّرتيبُ غيرَ توقيفي؛ لكان على حسب النُّزولِ.
ومثال الأول: قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (البقرة:238) (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (البقرة:239)
الآية فإنَّ هاتين الآيتين كانتا بين آيات المعتدات، وهذا دليلٌ على أنَّ ترتيب الآيات توقيفي.
وأما تنكيس السُّور؛ فيُكره، وقيل: يجوز.
أما الذين قالوا بالجواز فاستدلُّوا: بحديث حذيفة بن اليمان الذي في «صحيح مسلم» أن النبي صلى الله عليه وسلم قامَ مِن اللَّيلِ فقرأَ بسورةِ البقرةِ، ثم بالنِّساءِ، ثم آل عمران، وهذا على غير التَّرتيبِ المعروف، قالوا: وفِعْلُ النبي صلى الله عليه وسلم دليلٌ على الجواز.
وأما الذين قالوا بالكراهة، فقالوا: إنَّ الصَّحابةَ وَضَعُوا المُصحفَ الإِمام - الذي يكادون يجمعون عليه - في عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وَضَعوه على هذا التَّرتيب، فلا ينبغي الخروجُ عن إجماعهم، أو عمَّا يكون كالإِجماع منهم؛ لأنَّهم سلفُنا وقدوتُنا، وهو من سُنَّة الخليفة الراشد عثمان بن عفان، وقد أُمِرْنَا باُتِّباعِه. ولأنه قد يكون فيه تشويشٌ على العامة، وتَنَقُّصٌ لكلام الله إذا رأوا أنَّ النَّاسَ يقدِّمون، ويؤخِّرون فيه.
ولكن؛ القول بالكراهة قولٌ وسطٌ، فيقال: إنَّ الصحابةَ لم يجمعوا على هذا الترتيب، فإن في مصاحف بعضِهم ما يخالف هذا التَّرتيب كمصحف ابن مسعود، وأما قراءة النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في حديث حذيفة «النساء» قبل «آل عمران» فهذا - لعلَّه - قبل العرضة الأخيرة؛ لأنَّ جبريلَ كان يُعارِضُ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في كُلِّ رمضان، فيكون ما اُتَّفق عليه الصحابةُ أو ما كادوا يتَّفقون عليه هو الذي استقرَّ عليه الأمر، ولا سيما وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرُنُ بين البقرة وآل عمران، مما يدلُّ على أنهما قرينتان، فيكون تقديمه للنساء في حديث حذيفة قبل الترتيب الأخير.
والحق: أن الترتيب بين السُّور منه توقيفي، ومنه اجتهادي، فما وَرَدَتْ به السُّنَّةُ كالترتيب بين «الجُمعة» و «المنافقين»، وبين «سَبِّحِ» و «الغاشية» فهو على سبيل التوقيف؛ فالنبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قرأَ «الجمعة» قبل «المنافقين».
وقرأ «سَبِّح» قبل «الغاشية» فهذا على سبيل الترتيب التوقيفي، وما لم تَرِدْ به السُّنَّةُ فهو اُجتهادٌ من الصَّحابةِ، والغالب أنَّ الاجتهادَ، إذا كان معه الأكثر أقربُ للصَّوابِ.ا. هـ.
ـ[أحمد موسى]ــــــــ[03 - 01 - 09, 10:11 ص]ـ
وقال ايضا عن شرحه في باب الامامة:
قوله: «ولا إمامة الأمي وهو: من لا يحسن الفاتحة»، أي: لا تصحُّ إمامةُ الأُمِّي.
والأُمِّيُّ: نسبةً إلى الأم، والإِنسانُ إذا خَرَجَ مِن أُمِّهِ فهو لا يَعلمُ شيئاً، كما قال الله تعالى:) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئا) (النحل: من الآية78) والأُمِّيُّ لُغةً: مَنْ لا يقرأ ولا يكتبُ؛ لقوله تعالى:) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة) (الجمعة: من الآية2) (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِه) فيقرؤون (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ} فيكتبون.
¥