تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فساد التّصوّر .....

ـ[العزيز بالله]ــــــــ[07 - 08 - 02, 08:12 م]ـ

بسم الله الرحمن الرّحيم:

أوّل تصوّر فاسد نعرضه هنا: تصوّر المتكلّمين ومن وافقهم: وجود ذات في الخارج منفكّة عن الصّفات.

فمن المعلوم أنّ اللّغة تحتمل أكثر ممّا تحتمله الحقائق، وذلك أنّ اللّغة يُراد بها الإفهام والبيان فجاز التّعبير عن أجزاء من الحقيقة بأحكام خبريّة، ولا يعني ذلك أنّ لهذه الأدزاء وجود منفصل وحقيقة قائمة بنفسها: كما نقول: إنّ السّجرة خضراء، وإنّ لونها جميل، لا يعني ذلك أنّه من الممكن أن يكون اللون قائماً مستقلاً بذاته بدون ذات يقوم بها.

ولا يعني هذا أنّ الشّجرة الموصوفة باللون يمكن أن تكون موجودة بلا لون أو صفة، بل هذا يفرضه الذّهن ويجيزه لكن لا حقيقة له.

كما يمكن في اللغة أن تتحدّث عن المعدوم بل والممتنع ولا يلزم من ذلك تحقّقه في الخارج.

إذا فُهم هذا: عرفنا أن كثيراً من شبهات المتكلّمين قائمة على تصوّر ذات منفكّة عن الصّفات: ومعاملة الصّفة والذّات: وهي أجزاء الحقيقة في اللغة: معاملة الحقائق الثّابتة في الخارج.

وسنأخذ مثالاً تطبيقياً على هذا التّصوّر ونرى كيف فنّده شيخ الإسلام بالكامل:

. يستدل المعتزلة ومن وافقهم على نفي الصفات بقولهم: إن إثبات صفات الذات يلزم منه تعدد القدماء لأن الصفات يمتنع أن تكون حادثة فيلزم منه أن يكون الله محلا للحوادث، وإذا كانت قديمة لزم منه تعدد القدماء وهذا أشد من قول النصارى الذين أثبتوا ثلاث ذوات أو صفات قديمة، ولذلك يقول هؤلاء: إن الصفات عين الذات: فالله عليم لا بعلم بل بذاته وقدير لا بقدرة بل بذاته وحي لا بحياة بل بذاته وسميع وبصير لا بسمع وبصر بل بذاته وهكذا سائر الصفات.

الجواب من وجوه:

الأول: أن قولهم: (صفات زائدة على الذات) يقصدون به أن الصفات غير الذات ويعاملونها معاملة الذات القائمة بنفسها، وهو أمر يفرضه الذهن وليس بشيء في الخارج وفي نفس الأمر، فالمغايرة لها مراتب، فالكل غير الجزء منه، لكن الجزء من الكل ولا ريب.

وكذلك الصفة غير الموصوف لكنها منه وهي صفته.

فصفات الله تعالى ليست هي الله من حيث المعنى فقط وأما في نفس الأمر فهي صفة المولى تعالى والذات بصفتها هي الله تعالى.

فشبهة هؤلاء مبنية على تصور بحت، وهو إمكانية وجود ذات في الخارج لا تتصف بصفة بل هي منفكة عن الصفات، أو إمكانية وجود صفة في الخارج قائمة بنفسها لا بذات تتصف بها، وبناء عليه قالوا ما قالوا.

وكلامهم خطأ عقلا ولغة من جهة منافاة تعدد الصفات للوحدة: لأن الشيء يقال عنه شيء واحد بذاته وصفاته، فالنخلة مثلا جذع وأوراق خضراء بها ثمرات صفراء، هي نخلة واحدة، وليس في صريح العقل والمنطق ولا اللغة ما يجيز لنا أن نقول إنها أكثر من نخلة لأن لونها الأخضر شيء، وجزعها شيء وثمرها شيء، بل هي شيء واحد وهو مجموع الذات والصفات، وصفاتها تلك لا تقوم بغيرها وهي لازمة لها.

والله سبحانه أعلى وأجل: فهو واحد بذاته وصفاته، فإن قالوا: الحوادث تقبل أن تكون محلا للحوادث وتعدد الحوادث ممكن، قلنا: نحن نناقش في كون الشيء الواحد ذات وصفات وأن الذات والصفات لا يمكن أن توجد في الخارج منفكة عن بعضها، وبناء عليه فإن الصفة تتبع الموصوف، فالحادث حادث بذاته وصفاته، والقديم سبحانه قديم بذاته وصفاته، فصفاته قديمة وذاته قديمة لكن ذلك لا يلزم منه تعدد لأن الصفة تابعة للذات في القدم، فالذات بصفاتها قديمة.

الثاني: أنّا نقول: ما نفيتموه وهو تعدد القدماء أين جاء نفيه في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لأن القديم عندهم ما لم يسبق بعدم، أو ما وجوده ليس من وجود غيره، أو يريدون به الفاعل القديم والقائم بنفسه أو نحو ذلك وعلى المعنى الأول لم يأت نص بنفي تعدد القدماء، بل يمكن أن نقول أن الصفات قديمة والذات قديمة دونما حرج لأن هذا المعنى لا ينافي وحدانية الله في ربوبيته ولا في ألوهيته.

أما الربوبية فإن الله إنما نفى أن يكون غيره له شيء من الملك أو الخلق أو التدبير وغير ذلك من صفات الربوبية، وليس في إثباتنا صفات قديمة غير الذات نسبة شيء من ذلك لغير الله تعالى، بل نقول صفاته قديمة والله هو وحده الخالق الرازق المحيي المميت المدبر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير