(النَّقائِصُ العِلْميَّة) [الثَّالِثَة].
ـ[ذو المعالي]ــــــــ[09 - 08 - 02, 04:54 ص]ـ
أحمدُ الله و هو للحمد أهل، و الصلاة على رفيع المَحْتد و الأصل، و على من سار على نهجه رضى ذي الفضل.
أما بَعْدُ:
فهذه خاتمةُ (النَّقائِصِ العِلْمِيَّة) و هو تحريرٌ لـ (النَّقِيْصَة الثَّالِثة).
فأقولُ مُسْتَمِدَّاً التوفيق من ربي الإله.
النَّقِيْصَةُ الثَّالِثَة ً: الكَسَلُ عن المُطالَعة.
آلَةُ العالِمِ كُتْبُهُ، و عُمُدُ تَحْصِيْلِه كَرَارِيْسُ العلم لديهِ، و على مَدَى حِرْصِهِ عَلَيْها يكون شأنُ تحصيلِه، و بِقِلَّة إهمالها يكونُ ضَعْفُ تَحْصِليه، و هي مُكَوِّنَةِ علم الرجل، و مُنْضِجَة فكره.
و بها تمدَّح العلماء، و بفضلها ترنحوا.
و لَقَدْ بُلِيْنَا في هذا الزمان بِقِلَّة المُطَّلِعِيْن على الكُتُبِ، بل بُلِيْنَا بِكثْرَةِ الكُتُبِ التي تَتَّسِمُ بـ (الغُثُوْثَة)، و لأجلِ ذا كان الانصرافُ عن المُطَالَعة.
و المُطَالَعةُ إذ كانت بذا المُقام، و تِيْكَ المكانة فإنه لابُدَّ من إضاءةٍ حول نُقْصَانِها في صَفِّ من اشْتَغَلَ في العلم _ طَلَبَاً و تَعْلِيْمِاً _، فأقولُ و بربي استعانتي، و عليه اتّكالِي:
إن الكلامَ على (المُطَالَعةُ) سيكون من خلالِ ما يأتي:
الأَوَّلُ: في الأسبابِ المانِعَةِ من المُطالَعة.
لمْ يَكُن انصرافُ طلاَّبِ العلم عن المُطالَعة، و الاهتمام بها إلا من أسبابٍ حَفَّتْ بها، و جملتُهَا قسمان:
الأول: أسبابٌ في المُطالِع.
إن أهمَّ الأسباب المانِعَةِ من (المُطالَعة) هي ما كان ورودها مِنْ قِبَلِ (المُطالِع)، و إليك طَرَفَاً منها:
الأولُ: ضَعْفُ الهمةِ في (المُطَالَعة).
الثاني: عَدَمُ استشعارِ أهميتها.
الثالث: الجَهْلُ بطرائق (المُطالَعة)، و هما طريقتان:
الأولى: المنهجية في (المُطَالَعة).
فترى بعضاً من القوم يَشْرَعُ في قراءةِ ما وقع في يده من الكتب، مُهْمِلاً بذلك شأنه و حاله مع الكتابِ المُطالَع.
و (المُطالَعةُ) النافعةُ هي ما كان فيها أمران:
الأول: التناسُبُ بين الكتاب و المُطالِع، و يندرجُ في هذا شيئان:
أولها: التناسب في العقل و الفهم، فلا يكون في فنٍّ لا يفهمُ أصوله.
ثانيها: التناسبُ في اللغة و العبارة، فلا يكون الكتابُ ذا لُغَةٍ أكبر من القاريء.
الثاني: يُسْرُ القراءة فيه، و هذا فيه أمور:
أولها: اليُسْرُ من جهة حُسنِ الطباعة و الإخراج.
ثانيها: اليُسْرُ من جهة المعلومة فيه و اتفاقها مع فهم القاريء.
ثالثها: اليُسْرُ من جهة الزمان و المكان.
فهذَانِ لُبُّ (المُطالَعةُ) النَّافِعة، و بفقدِهما يكون فُقْدانُ المَنْفَعة.
الثَّانِيَةُ: إهمالُ آداب (المُطَالَعة) و هي تدُوْرُ في محورين:
الأول: جِلْسَةُ (المُطالِع).
الثاني: أدَبُ الكتابِ.
الثاني: أسبابٌ في المُطالَع (الكتاب) و هي ثمانيةٌ:
أولها: إسْقاطُ الألفاظ من الكلام.
ثانيها: زيادةُ ألفاظٍ في الكلام.
ثالثُها: إسقاطُ أحرُفٍ من كَلِمَةٍ.
رابعها: زيادةُ أحرُفٍ في كلمةٍ.
خامسُها: وَصْلُ حَرْفٍ مفصولٍ، أو فَصْلُ حَرْفٍ موصولٍ.
سادسها: تَغييرُ أشكالٍ الحروف بأشباهها ككتابةِ (الحاءِ) على شكْلِ (الباء).
سابعها: العُدُوْلُ عن الأشكالِ الصحيحة للحروف كَتَصِيِيْرِ (العيْنِ) كـ (الفاء) في حال الوصل، أو كـ (الحاء) في حال الفصل.
ثامنها: إغْفَالُ (النَّقْطِ) و (الإعْجَام).
(النَّقطُ) وَضْعُ النُّقَط.
(الإعْجام) تَشْكيلُ الكلمة بحركاتها.
(انظر: أدبُ الدنيا و الدين [104_ 107] تَحْقِيْقُ: السَّقا)
الثاني: أقسامُ المُطَالَعةِ:
الأول:القراءة التأصيلية: و هي القراءة التي يعتمد فيها على التركيز و التمعن، و هي في نوعين من الكتب:
1 - شروح المتون: فإن التركيز عليها حال قراءتها من مطالب التأصيل و التأسيس، و بها يكون الطالب على إلمام كبير بمقاصد المتن.
2 - كتب العلم (الشرعي) و هي التي يكون فيها التحصيل العلمي، مثل كتب: الاعتقاد، الفقه، الحديث، الأصول، المصطلح، النحو ....
الثاني: القراءة الجردية: و هي تعني أن هناك كتباً تقرأ قراءة فيها نوع من التركيز و التفهم، و لا تحتاج الى إعمال الفكر و العقل في عباراتها، و هي في نوعين من الكتب:
1 - المطولات: و هي الكتب ذات المجلدات الكثيرة، و هي لا تستدعي التوقف عندها و التفكر لمعانيها، و غنما تقرأ لبحث، أو غيره من الحاجات.
مع أن المتعيِّن على طالب العلم أن يقرأ بها و لكن بعد إدراكه أصول العلم.
2 - كتب التكميل العلمي: و مرادي بالتكميل العلمي: هو تحصيل الطالب علماً ليس أساساً في تكوينه علمياً و تأصيله فيه، بل هو من مكملات ثقافته و علمه.
و علومه: التأريخ، التراجم، الأدب، اللغة ...
الثالث: القراءة الموسمية: و هي القراة التي تكون في مناسبات و أوقات، و هي نوعان:
1 - قراءة في المواسم العبادية: كقراءة كتب الحج قبل الحج، و الصيام قبل الصيام، و النكاح قبل النكاح، و البيوع قبل البيع و الشراء.
2 - القراءة في أحكام النوازل: و هي القراءة في الكتب التي ألفت في أزمنة من أزمنة المسلمين التي حلت فيهم نازلة و كارثة كغزوة أشكلت عليهم، و هكذا.
و بِهَذا أكون قد أوقفت اليراعة عن الرَّقْمِ، و اللسان عن البَوْحِ بالكَلِم، آملاً من الله العليم، أن يَعُمَّني بفضله العميم.
و صلَّى الله على نبينا محمد و على آلهِ و صحبه.
¥