تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[لغة الحوار]

ـ[ذو المعالي]ــــــــ[12 - 07 - 02, 02:19 ص]ـ

الحمد لله

إن مما تميز به هذا المنتدى غلبة الجانب (الحواري)، و الطابع (النقاشي) على كتابات الكاتبين في هذا المنتدى.

و إن من المؤسف _ في بعض المنتديات _ في ذلك التميز تلك الفوضوية و العشوائية في بعض الكتابات، بل خلو بعضها من معالم (المنهجية الحوارية)، و معرفة (المراسم الجدلية تفصل بين الحق و الباطل، و تميز المستقيم من السقيم، فمن لم يحط بها علما كان في مناظرته كحاطب ليل) [الإيضاح لقوانين الاصطلاح 5].

و في هذه الأسطر _ المباركات (إن شاء الله) _ أذكر أصولاً و ضوابط و آداباً مما يعين على تحصيل الأمر المطلوب من النقاش:

أولاً: التقوى لله _ تعالى _: فلابد لمحاور أن يكون متقياً لله _ تعالى _ في حواره و مناقشته، فلا يظلم خصمه و مقابلَه، و لا يفتري عليه، و لا يحمِّلَ كلامه غير المحمل الذي يريده.

ثانياً: أن يقصد إظهار الحق: فالناظر في كتابات بعض الإخوة يجد أنها انتصارٌ للنفس، و تعصب للرأي، مع صرف النظر عن كون ذلك حقاً أم لا.

ثالثاً: النصح الصادق: و ذلك بأن يكون المحاور ناصحاً للمسلمين فيما يكتبه فلا يُعَمِ الحقائق، و يسترها و يخفيها، فهذه خيانة لهم و غش، قال (صلى الله عليه و سلم): " الدين النصيحة … " الحديث.

رابعاً: حُسْنُ فهم كلام المُحاوَر: و هذه أومأتُ إليها في الكلام عن تقوى الله في المحاورات، و أذكرها هنا لمزيد أهميتها.

فإن أكثر الجدالات العقيمة هي من سوءة الفهم للكلام، و إذا أُسيء فهم الكلام تكالبت المغالطات على المتحاورين فيضيع الحق بينهم في انتصارات شخصية، و تعصبات للآراء و الوجهات.

قال من قد سلف: (لا ترد على أحد جواباً حتى تفهم كلامه، فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره، و يؤكد الجهل عليك، و لكن افهم عنه، فإذا فهمته فأجبه و لا تعجل بالجواب قبل الاستفهام، و لا تستح أن تستفهم إذا لم تفهم فإن الجواب قبل الفهم حُمُق). [جامع بيان العلم و فضله 1/ 148].

خامساً: الرجوع إلى المصادر الأصيلة الصافية عند التنازع: و هذه من مهمات الحوار الرفيع الشامخ أن يُرْجَع عند التنازع و عدم الاتفاق إلى الأصول المتفق عليها _ في المرجعية _ و هما: الكتاب، و السنة، قال الله _ تعالى _: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر ذلك خير و أحسن تأويلا}.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _: (فإذا تنازع المسلمون في مسألة وجب رد ما تنازعوا فيه إلى الله و الرسول، فأي القولين دل عليه الكتاب و السنة وجب اتباعه) [الفتاوي 20/ 12].

و لا يجوز التحاكم إلى عقول الناس لأن العقول متفاوتة في الفهم و الإدراك، و ي الاستقامة و الانحراف و لذا حسم الله الأمر في المرجعية عند التنازع و لا كلام مع كلام الله _ تعالى _ و هو أعلم بخلقه منهم بأنفسهم.

قال شيخ الإسلام: (و هذا لأن الناس لا يفصل بينهم النزاعَ إلا كتاب من السماء، و إذا ردوا إلى عقولهم فلكل واحد منهم عقل) [الدرء 1/ 229].

و التحاكم إلى العقول استنقاص للكتاب و السنة و ذلك بأن المُتَحاكِمَ إلى العقل الهابط الضعيف لا يؤمن بأن الله بين في كتابه كلَّ شيء و كذا رسوله (صلى الله عليه و سلم).

سادساً: تحديد مواطن الاتفاق بين المتحاورَيْن: و بهذا يضيق مجال الحوار و يمون فيما اتفق ليه المتحاوران.

أما عند التحاور في كل شيء دون معرفة مواطن الاتفاق و الخلاف يكون الحوار عقيما، و ضيعة وقت، و ذهاب جهد في هباء.

سابعاً: الاحترام المتبادل بين المتحاورَيْن:فمتى ظن المتحاور أن خصمه ذا استهتار و استخفاف ذهبت فائدة الحوار، و لم يقبل من صاحبه رأيه و لو كان حقاً.

و لنا في حوار النبي (صلى الله عليه و سلم) مع عتبة بن ربيعة أبلغ درس، و أنفس أدب و لكن من يعتبر السيرة و أحوال النبي (صلى الله عليه و سلم).

قال أبو زيد الدبوسي الحنفي _ رحمه الله _:

و مالي إذا ألزمته حجة ... قابلني بالضحك و القهقهة

إن كان ضحك المرء من فقهه ... فالدب في الصحراء ما أفقهه

ثامناً: ترك الإعجاب بالنفس: قال مسروق _ رحمه الله _: بحسب امرء من الجهل أن يُعجبَ بعلمه. و قال ابن المعتز _ رحمه الله _: العجب شر آفات العقل.

فالمُعْجَبُ بنفسه لن يقبل من خصمه ما جاء من الحق، بل سيكون مستخفاً به محتقراً إياه، و هذه من موانع قبول الحق من كلا الطرفين.

فالمُعجَبُ لن يقبله لما ذكرته لك، و لذلك قال منصور بن إسماعيل الفقيه المصري:

قلت للمُعْجَب لما ... قال مثلي لا يراجع

ياقريب العهد بالمـ ... ـخرج لم لا تتواضع

تاسعاً: بناء الكلام على العلم: فحوار ينطلق من عواطف النفوس لا يجلب إلا فساداً كبيراً، و حوار ينطلق من مُسلَّماتِ الهوى و النفس يُوْرث انحرافاً خطيراً. و النجاة من تلك المُهْلِكات هو في إحكام الانطلاقة بالعلم و البصيرة و الإلمام بمدلولات الكلام، و فحوى الخطاب.

و متى تخلف هذا العلم ضاعت جهود المُتَحاوِرَيْن، و ذهبت أوقاتهما سُدى.

قال الله _ تعالى _: {و من الناس من يجادل في الله بغير علم و يتبع كل شيطان مريد}.

و على هذا كان منوال السلف _ رحمهم الله _ تعالى _ (ينهون عن المجادلة و المناظرة إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة و جواب الشبهة) [الدرء 7/ 173].

(و العلم المراد هنا امران متلازمان:

(1) العلم بشرع الله _ تعالى _؛ الكتاب و السنة.

(2) العلم بالواقع الذي يراد تنطبيق شرع الله عليه) [انظر الحوار للصويان 44].

هذا ما يسر الله كتابته في هذه العُجالة و إلا فالموضوع طويل جداً لا تسعه مثل هذه المقامات و الأحوال.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير