تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما في الألوهية فإن الله تعالى أنكر توجيه العبادة لغيره سبحانه، وليس في إثباتنا قدم الصفات على هذا المعنى ما ينافي إفرادنا لله جل وعلا بالعبادة.

بل مما يدل على أن الصفات غير الذات من حيث المعنى فقط وأن إثباتها زائدة على الذات بهذا المفهوم لاينافي وحدانية الله: ماثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء) (1)، فتجويزه الإستعاذة بكلمات الله وهي القرآن دليل على أنها من الله تعالى وأن الذات لا يمكن أن تكون منفكة عن الصفات ولذلك كان استعاذتنا بكلماته وهي من صفاته هي عين ذاته، لأن التركيب واللفظ يمنعه: فجمع لفظ الكلمات إلى لفظ الجلالة واللغة تمنع أن يضاف الشيء إلى نفسه وعينه، فلا يقال محمد محمد، أو بيت بيت، وهذا معروف لا ينكره إلا جاهل أو معاند.

وأما القديم بمعنى ما وجوده ليس من غيره فيقال فيه ما قيل في المعنى الأول سواء بسواء، أما المعنى الثالث: فإن الصفات بهذا الإعتبار ليست قديمة.

إذن فنفي تعدد القدماء على المعنيين الأولين أمر غير مقصود شرعا، ولو صح قولهم لكان الله ورسوله أولى بنفيه وهو سبحانه أعلم بنفسه من خلقه، ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلم به من أمته، وأما المعنى الثالث فمع أنه حق لكن تعبيرهم بذلك عنه خطأ محض لما فيه من الإيهام والإشتباه وعدم الدلالة على المقصود، ومع أنهم لا يقصدون إلا نفي الصفات فإن الذي جاء به الكتاب والسنة أفضل وأرفع وأعلى ففي الربوبية: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}: الشورى 11، {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذر الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون}: الأعراف 180، {هو الأول والآخر والظاهر والباطن}: الحديد 2، وجاء تفسيرها عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء) (2)، فالمراد إثبات أن الله ليس قبله شيء، ولفظ الجلالة شامل للذات وصفاتها، وهو مقصود في الكتاب والسنة والمراد من العبادة الإيمان به.

وأما الألوهية: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}: الذاريات 56، {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن إعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}: النحل 36، {فاعلم أنه لا إله إلا الله}: محمد 19، ولا شك أن أصول الإيمان بل وحتى الفروع الشرعية أولى الألفاظ وأحسنها تعبيرا عنها هي ما جاء في الكتاب والسنة، ولذلك نظائر كثيرة ليس هذا موضع بسطها.

الوجه الثالث: أن قولهم معلوم الفساد من جهة اللغة، فإنهم يقولون إن المخلوق ذاته شيء وصفاته غيره، وبناء عليه قالوا: فهو أكثر من واحد، قالوا: لأن غاية ما فيه تعدد الحوادث وهذا أمر لا ينكر وهو تعدد الحوادث وكون المخلوق محلا للحوادث.

وهذا الذي قالوه أمر يرفضه العقل واللغة التي نزل بها كلام الله تعالى، لأن ذلك يلزم منه جواز الإشارة للواحد بلفظ الجمع: فنقول: هؤلاء زيد، باعتبار أن زيد ذات وصفات متعددة، وهذا لا يقول به من لديه مسكة من علم أو عقل، فدل على أن الذات بصفاتها شيء واحد لا يمكن الفصل بينهما حقيقة.

الرابع: أن في كلامهم تلبيس على من لايدرك جهلهم بمعاني الكتاب والسنة، فإنهم إن أرادوا أن يكون الإله القديم أكثر من واحد فالتلازم باطل، فليس يجب أن تكون صفة الإله إلها كما ليس يجب أن تكون صفة النبي نبيا ولا أن تكون صفة الإنسان إنسانا ولا أن تكون صفة الحيوان حيوانا.

وإن أرادوا أن الصفة توصف بالقدم كما يوصف الموصوف بالقدم فهو كقول القائل: توصف صفة المحدث بالحدوث كما يوصف الموصوف بالحدوث، وكذلك إذا قيل: توصف بالوجوب كما يوصف الموصوف بالوجوب، فليس المراد أنها توصف بوجوب أو قدم أو حدوث على سبيل الإستقلال، فإن الصفة لا تقوم بنفسها ولا تستقل بذاتها، ولكن المراد أنها قديمة واجبة بقدم الموصوف ووجوبه إذا عنى بالقديم ما لا أول له وبالواجب ما لا فاعل له وهذا حق، ولكن المراد أنها قديمة واجبة بقدم الموصوف ووجوبه إذا عني بالقديم ما لا أول له وبالواجب ما لا فاعل له وهذا حق لا محذور فيه، وإذا كانت قديمة بقدمه لم يلزم أن تكون إلها مثله.

ومثل ذلك قولهم أن ذلك يستلزم أن يكون محلا للحوادث: فماذا تعنون به؟ هل تعنون أن شيئا من مخلوقاته يحل فيه فهذا باطل قطعا وليس لازما لنا بوجه من الوجوه، أم تعنون أنه يقوم به أفعال يحدثها هو شيئا فشيء أو أنه يفعل بعد أن لم يكن فاعلا ويتكلم بالشيء ولم يكن يتكلم به فهذا حق مع إتصافه بالفعل والكلام أبدا وأزلا أي أن هذه الصفات التي تتعلق بالمشيئة قديمة النوع حادثة الآحاد فأي محذور في هذا.

الخامس: أن يقال: هذه المسألة التي تكلمتم من سبقكم إليها؟ وهل تكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم؟ أو صحابته الكرام؟ أو التابعون لهم بإحسان؟

فإذا كان الجواب بالنفي وهو الواقع، فهل أنتم أعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعه، أو أحرص منه على دين الأمة وعقائدها وإيمانها؟

وإذا كان الجواب بالنفي وهو المتعين، صح أن ما سكت عنه القوم أولى بالسكوت عنه، ولو كان فيه خيرا لذكره لنا صلى الله عليه وسلم ولحذرنا منه، مع أن نصوص الكتاب والسنة طافحة بألفاظ الصفات، ولو لزم من إثباتها ما ذكروا وهو ظاهرها، لبينه صلى الله عليه وسلم، وهو الذي توفي وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وعندنا منه خبر عنه صلى الله عليه وسلم، حتى علمنا كيف يقضي أحدنا حاجته وكيف يأتي أهله، ثم تزعمون أنه سكت عن بيان لوازم كفرية تفهم من ظاهر النصوص التي جاء بها؟ هذا لعمرو الله خلف من القول وسقم من الفهم وضلال من الرأي (3).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.أخرجه مسلم في الذكر والدعاء باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء عن أبي هريرة رضي الله عنه.

2.أخرجه مسلم في الذكر والدعاء باب مايقول عند النوم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

3 أنظر منهاج السنة 2/ 123 ـ 132

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير