[الحكمة من رمي الجمار والسعي بين الصفا و المروة]
ـ[أبو محمد المطيري]ــــــــ[17 - 01 - 05, 04:50 م]ـ
الحكمة من الرمي و السعي
روي أن سبب رمي الجمار أن إبليس لعنه الله عرض لإبراهيم عليه السلام بموضع الجمار فرماه ثم صار الرَّمي سنة باقية مع عدم ذلك السبب.
فعن ابن عباس رضي الله عنه: رفعه قال: (لمَّا أتى إبراهيم خليل الله المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض قال ابن عباس الشيطان ترجمون وملة أبيكم إبراهيم تتبعون) اهـ. رواه ابن خزيمة: 2/ 100 و الحاكم في المستدرك مرفوعا ثم قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه: 1/ 638 والبيهقي في السنن الكبرى: 5/ 153 - 154.ولم يثبت الحديث مرفوعاً ولكن رُوي عن ابن عباس موقوفا من طريق أبي الطفيل و من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير، فرواه أحمد من حديث ابن عباس مطولاً من طريق أبي الطفيل عن ابن عباس وفيه قصة اعتراض الشيطان لإبراهيم ورجمه له: في مسند بني هاشم: 1/ 372 و 373 و297 و 298 و أبوداود الطيالسي: (2820) والطبراني: (10628) و الطبري في تفسيره: 19/ 586 و تاريخه: 1/ 276 97
قال الإمام النووي في شرح المهذَّب:
(فرعٌ: في الحكمة في الرّمي قال: العلماء أصل العبادة الطاعة، وكل عبادة فلها معنىً قطعا لأن الشَّرع لا يأمر بالعبث ثم معنى العبادة قد يفهمه المكلَّف وقد لا يفهمه فالحكمة في الصلاة التواضع والخضوع وإظهار الافتقار إلى الله تعالى والحكمة في الصوم كسر النفس وقمع الشهوات والحكمة في الزكاة مواساة المحتاج وفي الحج إقبال العبد أشعث أغبر من مسافة بعيدة إلى بيت فضَّله الله كإقبال العبد إلى مولاه ذليلاً، ومن العبادات التي لا يفهم معناها السعي والرمي فكلِّف العبد بهما ليتم انقياده فإن هذا النوع لاحظَّ للنفس فيه ولا للعقل ولا يحمل عليه إلا مجرد امتثال الأمر وكمال الانقياد فهذه إشارة مختصرة تعرف بها الحكمة في جميع العبادات والله أعلم) اهـ.
المجموع: 8/ 243
وقد اعترض عليه الشيخ محمد الأمين فقال:
(ما ذكره الشيخ النووي رحمه الله من أن حكمة السعي والرمي غير معقولة المعنى غير صحيح فيما يظهر لي والله تعالى أعلم بل حكمة الرمي والسعي معقولة وقد دل بعض النصوص على أنها معقولة) اهـ. أضواء البيان: 4/ 481
ثم ذكر قصة هاجر مع الشيطان التي في الصحيح.
وفيها: (ترك إبراهيم هاجر وإسماعيل في مكة وأنّه وَضَع عندهما جِرابا فيه تمر وسِقَاءً فيه ماءٌ وفي الحديث: وجعلت أم إسماعيل تُرضِع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفِد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوَّى فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طَرَف دِرْعِها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مراتٍ قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك سعى الناس بينهما .. الحديث .. ) رواه البخاري عند تفسير قوله تعالى: (و إذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت) صحيح البخاري: ح 3364. و عزاه السيوطي في الدر المنثور: 1/ 305 إلى أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والجندي وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الدلائل و تكلَّم الإمام ابن كثير على طرقه: تفسير ابن كثير: 1/ 77 قال الشيخ محمد الأمين:
(وقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فلذلك سعى الناس بينهما فيه الإشارة الكافية إلى حكمة السعي بين الصفا والمروة لأن هاجر سعت بينهما السعي المذكور وهي في أشد حاجة وأعظم فاقة إلى ربها لأن ثمرة كبدها وهو ولدها إسماعيل تنظُرُه يتلوَّى من العطش في بلد لا ماء فيه ولا أنيس وهي أيضا في جوع وعطش في غاية الاضطرار إلى خالقها جل وعلا وهي من شدة الكرب تصعد على هذا الجبل فإذا لم تر شيئا جَرَت إلى الثاني فصعدت عليه لترى أحدا.
فأُمِر الناس بالسعي بين الصفا والمروة ليشعُروا بأن حاجتهم وفقرهم إلى خالقهم ورازقهم كحاجة وفقر تلك المرأة في ذلك الوقت الضيق والكرب العظيم إلى خالقها ورازقها وليتذكروا أن من كان يطيع الله كإبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لا يضيعه ولا يخيب دعاءه وهذه حكمة بالغة ظاهرة دل عليها حديث صحيح وقد قدَّمنا في حديث البيهقي المذكور حكمةَ الرَّمي أيضا فتبين بذلك أن حكمة السعي والرمي معروفة ظاهرة خلافا لما ذكره النووي والعلم عند الله تعالى) اهـ. أضواء البيان - الشنقيطي ج4/ 481
قلتُ: لا اختلاف في أنَّ الأفعال في رمي الجمار و السعي بين الصفا والمروة مقصودة في نفسها لما تضمنته من ذكر الله و من اتباع نبيه صلَّى الله عليه و سلَّم، ولكنّ قد تلمّس بعض العلماء حكمة معقولة للمكلَّفين وقد قال النووي في كلامه الماضي: (معنى العبادة قد يفهمه المكلف وقد لا يفهمه)
و كثير من المكلفين بل أكثرهم لا يتنبهون لهذه الحكمة التي أشار إليها الشيخ محمد الأمين رحمه الله تعالى و الخطب في هذا يسير إذ العلماء كالنووي و غيره يقولون بأن الشارع الحكيم لا يأمر بشيءٍ عبثاً.
وقد أخرج ابن أبي شيبة عن الإمام الشعبي قال: (إنما جَعَل الله هذه المناسك ليكفِّر بها خطايا بني آدم) اهـ. مصنف ابن أبي شيبة ج:3 ص:415
¥