تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تفرقتنا بين فصل سلطة الدولة وفصل الدين عن الحياة والمجتمع، وعن خلط الخطاب، بينما يهدف تشويه العلمانية وربطها بالإلحاد ... يقول كاذبا فض الله فاه: "ولا أدرى إن كان ذلك عن جهل بمفهوم العلمانية أو هو يضاعف من خطورة هذا الاتجاه بتزييف المفاهيم". وهذا ينقلنا إلى تزييف عبد الصبور شاهين وأتباعه للمفاهيم، خاصة العلمانية والماركسية، بل وتزييفه للأقوال التى لم نقلها ونسبتها لنا، وهو ما يكشف عن دلالات خطيرة نناقشها فى الفقرة التالية".

هذا ما يقوله نصر حامد أبو زيد منكرا أن يكون قد هاجم العقل الغيبى على أى نحو من الأنحاء، بل ينفى نفيا قاطعا أن يكون قد ذكره أى ذكر فى كلامه، مع أن تقرير قسم اللغة العربية بآداب القاهرة الذى أخذ على عاتقه الدفاع عنه قد أتى بنص كلام أبو زيد فى هذا المجال، وفيه إدانة واضح صريحة للعقل الغيبى. والكلام موجود فى الصفحة السادسة عشرة من الكتاب الذى بين أيدينا، وهذا نصه: "يقول تقرير اللجنة إن الكاتب فى مقدمة بحثه "يهجم على الغيب بأسلوب غريب فيجعل العقل الغيبى غارقا فى الخرافة والأسطورة مع أن الغيب أساس الإيمان". والواقع أن الكاتب لم يتعرض للغيب الوارد فى قوله تعالى: "يؤمنون بالغيب"، أى ما غاب عنهم مما أخبرهم به النبى صلى الله عليه وسلم من أمر البعث والجنة والنار، وإنما كلامه بالنص (ص10): "لم تكن المعركة (يقصد المعركة التى دارت حول كتاب "الشعر الجاهلى" لطه حسين) معركة الشعر، بل كانت معركة قراءة النصوص الدينية طبقا لآليات العقل الإنسانى التاريخى لا العقل الغيبى الخارق فى الخرافة والأسطورة". ثم يقول فى تفسير ما يقصده بالعقل الغيبى: "قوى الخرافة والأسطورة (المتحدثة) باسم الدين والتمسك بالمعانى الحرفية للنصوص الدينية" ... ".

إذن فأبو زيد قد ذكر أولا "العقل الغيبى" على عكس ما أكده من أنه لم يأت له على أى ذكر وأن كلامه هو عن الخطاب الدينى ليس إلا. ثم إنه ثانيا لم يكتف بالحديث عن العقل الغيبى، بل هاجمه وحط من قدره كما رأينا. وثالثا سوف نرى من خلال كلامه هو نفسه ما الذى يقصده بذلك العقل الغيبى. فلن نورد شيئا من لدنّا، بل سيكون معتمدنا على ما قال هو ذاته. لقد أشار إلى كتاب "فى الشعر الجاهلى" للدكتور طه حسين قائلا إن المشكلة كانت فى "قراءة النصوص الدينية طبقا لآليات العقل الإنسانى التاريخى لا العقل الغيبى الخارق فى الخرافة والأسطورة". ومن ثم فعلينا أن نعود إلى ما كتبه طه حسين فى هذا الصدد. والنصوص الدينية التى يشير إليها نصر أبو زيد بالمناسبة هى القرآن، ولا شىء سوى القرآن، إلا أنه بطريقة لحن القول لا يريد أن يضع النقاط على الحروف، بل يوارى ويوارب ظنا منه أن جمهور القراء لن يتنبه إلى تلك اللعبة.

قال طه حسين بشأن ذهاب إبراهيم إلى بلاد العرب وبنائه الكعبة فى مكة هو وابنه إسماعيل عليهما السلام كما ذكر القرآن (أو "النصوص الدينية" بالتعبير المراوغ من نصر أبو زيد): "للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا. ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي، فضلا عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلي مكة ونشأة العرب المستعربة فيها. ونحن مضطرون إلي أن نرى في هذهالقصة نوعا من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة، وبين الإسلام واليهودية من جهة، والقرآن والتوراة من جهة أخرى. وأقدم عصر يمكن أن تكون قد نشأت فيه هذه الفكرة إنما هو هذا العصر الذي أخذ اليهود يستوطنون فيه شمال البلاد العربية وينشئون المستعمرات. فنحن نعلم أن حروبا عنيفة شبت بين هؤلاء اليهود المستعمرين وبين العرب الذين كانوا يقيمون في هذه البلاد، وانتهت بشيء من المسالمة والملاينة ونوع من المخالفة والمهادنة. فليس يبعد أن يكون هذا الصلح الذي استقر بين المغيرين وأصحاب البلاد منشأ هذه القصة التي تجعل العرب واليهودأبناء أعمام، ولا سيما قد رأي أولئك وهؤلاء أن بين الفريقين شيئا من التشابه غير قليل، فأولئك وهؤلاء ساميون. ولكن الشيء الذي لا شك فيه هو أن ظهور الإسلام وما كان من الخصومة العنيفة بينه وبين وثنية العرب من غير أهل الكتاب قد اقتضى أنتثبت الصلة الوثيقة المتينة بين الدين الجديد وبين الديانتين القديمتين: ديانة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير