تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مرآة يطالع فيها صورته ويرى نفسه على حقيقتها؟ أم إن المرايا التى حوله كانت "مرايا محدَّبة" تعكس الأشياء بصورة أضخم من حقيقتها؟ رحمك الله يا د. عبد العزيز حمودة، وبارك فى كتابك الذى أثار الزوابع وأقض مضاجع الجاهلين الحشاشين، ولا بارك الله فيمن تطاول عليك من كل عتل ذميم زنيم لا ترتفع رأسه إلى موطئ قدميك، على الأقل فى اللغة الإنجليزية وفى تراثها الأدبى والنقدى!

وفى كل من الصفحة الثلاثين والصفحة الثامنة والسبعين من "نقد الخطاب الدينى" نسمع كاتبنا يقول إن هناك مجالات فى الحياة لا تتعلق بها فعاليات النصوص القرآنية، زاعما أن الصحابة قد فطنوا إلى هذا منذ وقت مبكر. وهذا ما قاله بالحرف: "منذ اللحظات الأولى فى التاريخ الإسلامى، وخلال فترة نزول الوحى وتشكُّل النصوص، كان ثمة إدراك مستقر أن للنصوص الدينية مجال فعاليتها الخاصة، وأن ثمة مجالات أخرى تخضع لفاعلية العقل البشرى والخبرة الإنسانية ولا تتعلق بها فعالية النصوص. وكان المسلمون الأوائل كثيرا ما يسألون إزاء موقف بعينه ما إذا كان تصرف النبى محكوما بالوحى أم محكوما بالخبرة والعقل. وكثيرا ما كانوا يختلفون معه ويقترحون تصرفا آخر إذا كان المجال من مجالات العقل والخبرة. الأمثلة على ذلك كثيرة، وتمتلئ بها كل وسائل الخطاب الدينى وأدواته من كتب ومقالات وخطب ومواعظ وبرامج وأحاديث. ورغم ذلك يمضى الخطاب الدينى فى مد فعالية النصوص الدينية إلى كل المجالات (أى يحاول تكريس شموليتها كما سبق القول) متجاهلا تلك الفروق التى صيغت فى مبدإ "أنتم أعلم بشؤون دنياكم".

والحق أن هذا كلام غريب يرفضه التاريخ والعقل والإيمان، إذ ما دام هناك نص فلا بد من قبوله والعمل به. ففعاليته إذن مستمرة. والصحابة لم يحدث أن سألوا قط: هل نحن فى حل من تطبيق النصوص القرآنية؟ بل كان سؤالهم: هل هناك وحى بكذا أو لا؟ بما يعنى أنهم، حين يكون هناك وحى، فإنهم يعرفون تماما أنه لا مناص من تطبيقه. أما إذا لم يكن هناك نص فى الموضوع المطروح فكيف تكون هناك فعالية تعلَّق؟ هل يمكن أن تعلَّق فعالية لا وجود لها أصلا؟ ومع هذا فإن النصوص لا تترك شيئا دون أن تكون لها فعالية فيه. كل ما هنالك أن هذا قد يتم على نحو مباشر بحيث يقول النص فى موضوع من الموضوعات كلاما عاما دون تفصيل، مثل: "إن بعض الظن إثم"، و"قل: هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ "، "وأمرهم شورى بينهم ويقول الرسول عليه السلام: أنتم أعلم بشؤون دنياكم، والمجتهد إذا أصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر، وإن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه، وطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، ولا ينبغى للمؤمن أن يذل نفسه بأن يتعرض من البلاء لما لا يطيق، وما خاب من استشار ... إلخ. فهنا نجد أن فاعلية النصوص هى فاعلية غير مباشرة، بمعنى أنها لا ترسم لنا تفصيلات الطريق، بل تكتفى بالإشارة إلى الاتجاه حتى لا نتخذ طريقا أخرى لا توصلنا إلى ما نريد، مع إمدادنا بالتوجيهات التى تكفل لنا عدم الخروج عن الطريق.

فأما بالنسبة إلى الأمثلة التى لا توجد فيها نصوص بحيث يكون للصحابة مندوحة عن قبول رأى الرسول، فمنها ما كتبه ابن هشام فى "السيرة النبوية" عما حدث قبل معركة بدر، إذ استجاد النبى عليه السلام موضعا فنزل عنده متصورا أنه هو الموضع الإستراتيجى الناجع، بيد أنه كان لبعض الصحابة رؤية أخرى على ما يخبرنا النص التالى: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم (أى يبادر قريشا) إلى الماء حتى إذا جاء أدنى ماء من بدر نزل به. قال بن إسحاق: فحُدِّثْتُ عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل: أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل. فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم تغوّر ما وراءه من القُلُب ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي. فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس، فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقُلُب فغُوِّرَتْ، وبني حوضا على القليب الذي نزل فَمُلِئَ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير