منذ انفصال المغرب عن الخلافة العباسية سياسيا سنة (172هـ/ ق 8م)، ظلت سمة الوحدة السياسية - وقد تكلم كثيرون على هذه الوحدة (3) التي طبعت الجو السياسي العام بالمغرب .. وقد اكتملت هذه الوحدة زمن الموحدين بعد الجهد الكبير الذي بذله الأدارسة والمرابطون قبلهم. هذه الوحدة السياسية منحت المنطقة وحدة مذهبية وعقائدية وسلوكية .. وبذلك تميزت المنطقة بطابع الوحدة والاتحاد والاستقلال ترابيا وسياسيا واجتماعيا بحكم طبائعها وتقاليدها وتراثها ..
*- بعد المنطقة عن بؤرة التوتر
إن منطقة الغرب الإسلامي تتقاسم المسؤولية المشتركة مع الشرق الإسلامي للمحافظ على التراث الإسلامي والهوية الإسلامية .. إلا أنها وبحكم بعدها عن الشرق جغرافيا، فهي أقل تأثرا بمظاهر تلك التيارات الإلحادية والصراعات الأيديولوجية. أي أن منطقة الغرب كانت في مأمن أكبر من الفتن.
*- المزاوجة بين الفكر والسياسة
إن المغاربة المتكلمون زاوجوا في تنظيراتهم بين السياسة/الدولة وعلم الكلام، في حين اكتفى المتكلون المشارقة بتسويغ أو تسفيه هذه السياسة أو تلك. وهذا لا يعني أن هؤلاء كان علم الكلام لديهم وسيلة لتحقيق مآربهم السياسية ..
*- تمسك المغاربة بالمذهب المالكي
كان لدخول المذهب المالكي إلى المغرب أثر قوي في دعم عقيدة أهل السنة. فقد كان للإمام مالك موقف كلامي عقدي ديني، خالف به أقوال المذاهب المنحرفة، وكان من الأسس التي بنى عليها الأشاعرة مذاهبهم.
ولذلك آزر المالكية المذهب الأشعري وانتموا إليه، فكان هو مذهبهم العقدي إلى جانب فقه مالك وتصوف الجنيد، وهكذا ارتبط العقدي بالفقهي والصوفي في تفكير المغاربة.
*- تصحيح لحن العامة في علم الكلام وتطور العقيدة الأشعرية
لما كان علم الكلام الأشعري قد عرف بالمغرب طابع تعميمه على مجموع شرائح المجتمع، بما في ذلك عامة الناس وبادئ الرأي فيهم، فأضحى وكأن هناك مجالين معرفيّين: مجال تنتظم فيه الثقافة العقدية انتظاما يتلقاه المتعلمون داخل حقل تعليمي مضبوط ومنظم. والثاني يشكل الثقافة التلقائية، المتداولة في الكلام الشفوي. فبرزت ظاهرة خاصة بالثقافة الأشعرية في الغرب الإسلامي، وهي ظاهرة تنقية الثقافة الشفوية من رواسب العقائد الأخرى المعتزلية، والشيعية، والخارجية .. مما جعل هذه العقيدة تحافظ على استقلاليتها وتميزها ..
*- إنزال علم الكلام إلى العامة
ثم إن هناك خاصية في الفكر المغربي تمثلت في إنزال علم الكلام إلى العامة، اضطرت –هذه الخاصية- المفكرين تباعا إلى تبسيط مضامينه واختصارها، حتى يسهل على الناس تناولها والاقتراب منها، وحتى لا يسبب أي شيء فيها داعيا لنفورهم منها وبعدهم عنها. لذلك لم تختلط مباحث هذا العلم بمباحث الفلسفة والمنطق كما فعل متأخرو الأشاعرة في المشرق. بل ظل عندهم مبحث العقائد مبحثا مبسطا.
*- جامع القرويين ودعمها للعقيدة الأشعرية
وقد كان لجامع القرويين فضل كبير في نشر العقيدة الأشعرية واستمرار وجودها بالمغرب، إذ كانت محل عناية شيوخه الذين كانوا يقومون على تدريسها ويؤلفون في شرحها وتحليلها إلى عهد قريب ..
هكذا حافظ المغاربة على هذا الفكر السني السلفي التوفيقي المعتدل، دون مبالغة في الخوض العقدي، ودون تعمق في تأويل الصفات، ولكنهم في نفس الوقت لا ينكرون وظيفة العقل ولا يرفضون العقلنة السليمة والمعتدلة.
الهوامش:
(1) - أخرجه الدارمي وابن ماجة في سننهما. وذكر أهل الحديث أن أسانيد هذا الحديث تتراوح بين الصحة والحسن والضعف.
(2) - رواه بهذه الصيغة أبو نعيم في الحلية، وعلق عليه: "هذا حديث مشهور"، وذكره السيوطي في الدر المنثور.
(3) -ابن خلدون في العبر. الإدريسي في نزهة المشتاق. ابن أبي زرع في روض القرطاس. الطبري في تاريخ الأمم والملوك. اليعقوبي في المسالك والممالك. المقري في نفح الطيب. ابن عذارى في البيان المغرب. المعجب في تلخيص أخبار المغرب. وغيرهم من الباحثين والمؤرخين وعلماء الاجتماع.
ـ[إبراهيم محمد عبد الله الحسني]ــــــــ[21 - 09 - 10, 08:58 م]ـ
كلام قيم ومفيد؛ ولكن من أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار المذهب الأشعري في العالم الإسلامي عامة والمغرب العربي وشمال إفريقية خاصة هو الدعم الإستعماري أو لنقل الدعم الصهيوني ليشمل ذلك من فترة عبد الله بن سبأ حتى دخول الإسلام لهذه المنطقة وامتدادا لدخول المستعمر الفرنسي والإيطالي لها ..
ومن أغرب ما قرأت في مقالك الماتع الممتع ذلك القران الذي عقدته بين الفقه المالكي والمذهب الأشعري وعقده من قبلك ابن عاشر؛ بل وأضاف إليه ثالثا لا أدري ما دوره الأسري ألا وهو طريقة الجنيد ..
إن الإمام مالك بريء من العقيدة الأشعرية، وإن الفقه المالكي على الأقل حتى مرحلة ابن عبد البر هو كذلك ..
وإن ذلك المزيج لعجيب حقا؛ إذ يستغرب المرء ما هو العيب في عقيدة الإمام مالك حتى يعدلوا عنها إلى عقيدة الأشعري، وما هو العيب في طريقة مالك حتى يسلكوا بدلا منها طريقة الجنيد ..
إن من خبر الإمام مالكا والجنيد ليعلم أن مقارنتهما كمقارنة صقر وعصفور بنفس الترتيب الكلامي والمعرفي والتاريخي ..
¥