وأما مسألة العنف فأركون يرى أنها ليست مجرد قراءة إسلاموية للقرآن كما يقوله كثير من العلمانيين، بل أركون يرى أن القرآن هو الذي يولد العنف، ولذلك لما استعرض قوله تعالى في سورة التوبة "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد" قال أركون:
(لقد اخترت الانطلاق من هذه الآية لأنها تشكل بالنسبة لسورة التوبة؛ الذروة القصوى للعنف الموجه لخدمة المطلق، الله المطلق) [الفكر الإسلامي قراءة علمية، أركون، 93]
وأما مايقوله العلمانيون من أن العلوم الدينية تضاد العقل، فأركون يرى أن المشكلة ليست في علماء هذه العلوم الدينية، وإنما المشكلة في القرآن نفسه، فالقرآن هو المسؤول عن إنتاج علوم تضاد العقل، كما يقول أركون:
(لقد لعب القرآن الدور الحاسم الذي نعرفه في توسع وانتشار ما لا نزال نمارسه الآن تحت اسم العلوم الدينية بصفتها مضادة للعلوم العقلية) [قضايا في نقد العقل الديني، أركون، 58].
ويزيد أركون حدة التصعيد في التنديد بالقرآن ويرى أن أسلوب القرآن أسلوب متشنج ومكرر كما يقول عن أسلوب القرآن في سورة التوبة أنه:
(يأتي تارةً على هيئة تكرار زائد، أو تبسيطات، أو تشنجات قاسية، تطلبتها طبيعة الظرف التاريخي، كما هو الحال في سورتنا هذه) [الفكر الإسلامي قراءة علمية، أركون، 103].
ويرى أركون أن النقد الفيلولوجي استطاع أن يكشف القصور في أسلوب القرآن كما يقول:
(لقد ذهب النقد الفيلولوجي إلى حد التقاط وكشف النواقص الأسلوبية في القرآن) [الفكر الإسلامي قراءة علمية، أركون، 201].
ولأركون موقف معروف من النقد الفيلولوجي، فهو يرى أنه مفيد، لكن يجب عدم الاقتصار عليه.
ولذلك لا يجد أركون أي حرج نفسي في أن يصف القرآن بأنه "فوضوي" بلغة إزرائية كما يقول:
(بالنسبة لعقولنا الحديثة المعتادة على منهجية معينة في التأليف والإنشاء والعرض القائم على المحاجّة المنطقية؛ فإن نص المصحف وطريقة ترتيبه تدهشنا بفوضاها) [الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، أركون، 86].
حسناً .. سنتوقف عن عرض المزيد من الشواهد حول موقف أركون من كون القرآن قد ضاع منه الكثير، وما تبقى منه أسطوري ويبث العنف ويضاد العقل، سنتوقف لنطرح سؤالاً آخر يبدوا لي أنه الآن يدور في ذهن القارئ بشكل ملح، السؤال هو: كيف يتجرأ أركون على القرآن بهذا الشكل؟ ما الذي يجعله يندفع في إدانة القرآن بهذه البساطة؟
في تقديري الشخصي أن السبب الجوهري الذي يجعل أركون يتعامل مع القرآن بهذه الحدة والتشنج هو أنه غير مقتنع أن هذا القرآن من الله -جل وعلا- أصلاً، فأركون يستغرب كثيراً ممن يعتقد أن هذا القرآن كلام نزل من الله، ولذلك يقول أركون مثلاً:
(أصبحوا يقدمون الخطاب القرآني، لكي يُتلى ويُقرأ ويُعاش، وكأنه الكلام الأبدي الموحى به من قبل إله متعالٍ) [الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، أركون، 146]
فصحة نسبة القرآن إلى الله يعتبرها أركون معضلة، تشابه معضلات النصارى التي لم يجدوا لها حلاً، حيث يقول أركون:
(معضلة عويصة مشتركة لدى المسيحية والإسلام، أقصد تاريخية بعث يسوع المسيح، والصحة الإلهية للقرآن) [الفكر الإسلامي قراءة علمية، أركون، 45].
ولذلك يعتبر أركون أن مسألة نسبة القرآن إلى الله هي "مزاعم تقليدية" يجب تجاوزها، كما يقول:
(لكي أفتتح حقلاً جديداً من التفكير تصبح فيه المزاعم التقليدية للمسيحية والإسلام معاً مُتَجاوزة، عن طريق دراسة مشاكل ماقبل البعث، والصحة الإلهية للقرآن) [الفكر الإسلامي قراءة علمية، أركون، 46]
ويشير أركون إلى الأدلة التي استدل بها القرآن والنبي –صلى الله عليه وسلم- على صحة نسبة القرآن إلى الله، وهي كون هذا القرآن "معجز" لا يأتي به بشر، ولكن أركون يرى أن هذا دليل غير كافٍ للاعتقاد بكون القرآن من الله، وإنما هذه –بحسب رأيه- مجرد تبجيل للقرآن من أتباعه، كما يقول أركون:
(نلاحظ أن كل نظرية الإعجاز، أو الأصل الإلهي للقرآن؛ تشهد على الانتقال السري الخفي من مشكلة فكرية مثارة في الحالتين، أي حالة البعث وحالة القرآن؛ إلى حلول تبريرية وتبجيلية) [الفكر الإسلامي قراءة علمية، أركون، 47]
¥