العلم الواحد من العلوم الإنسانية لا يمكن متابعة بحوثه الغزيرة في الدوريات العلمية بلغة واحدة كالانجليزية، فكيف يدّعي أركون أنه يطلع على "جميع" البحوث، عن "جميع" العلوم الإنسانية، بـ"جميع اللغات" الغربية!
والقارئ لكتابات أركون السطحية يكتشف بسهولة حجم الاندفاع في هذا التمدح، حتى أن الكاتب العلماني المحارب محمد المزوغي (المشغول بإسقاط ابويعرب) يقول عن أركون:
(المُتتبع لفكر أركون يستطيع بسهولة أن يحدس الحقيقة التالية: وهي أن مصادره الأساسية لا تتعدى مجال الفكر الفرنسي، وما يُدعّم ذلك هو التطابق الواضح بين أطروحاته الفكرية، وخلاصة أعمال أولئك المفكرين) [العقل في التاريخ، محمد المزوغي].
هذه دعوى ممكنة جداً، وهي أن أركون متابع لمجمل الأطروحات "الفكرية" في الساحة الفرنسية، أما الاطلاع على "العلوم الإنسانية" بجميع فروعها ولغاتها الغربية؛ فهذا دجلٌ محض تمنيت أن أركون لم يورط نفسه فيه.
ومن سلوكيات أركون الغريبة -أيضاً- محاولة فرض نفسه على الباحثين الآخرين بالقوة، تجده كثيراً يعاتب الباحثين بطريقة غير لائقة لماذا لم يشيروا إليه؟! خذ بعض الأمثلة:
يقول أركون عن المفكر المغربي المعروف عبدالله العروي:
(بعد أن اطلعت على كتاب العروي "مفهوم العقل" وجدت أن نقاط الاتفاق بيننا في ما يخص التوجهات الأساسية عديدة جداً، إلى درجة أني دهشت لأنه لم يشِر إلى أي كتاب من كتبي، أو إلى أي فكرة من أفكاري) [قضايا في نقد العقل الديني، أركون، 56].
وفي حادثة أخرى فإن الباحثة العلمانية دلال البزري روت قصة تحضيرها ومناقشتها لرسالتها الدكتوراة في فرنسا، وكان في لجنة المناقشة أركون، ومما قالته الكاتبة:
(أركون يأخذ على اطروحتي أموراً لا تأتي على بالي، مثل عدم تطرّقها إلى كتبه .. ، يتابع ويستفيض بعرض نتاج معرفته هو، واستنكاره الشديد غالباً لعدم ورود ذكره في أطروحتي) [المستقبل اللبنانية، 26سبتمبر 2010].
وثمة سلوكيات غريبة أخرى لا مجال لعرضها.
-الاعتراف المر:
برغم العلمانية الإلحادية المتطرفة التي يتبناها أركون، وبرغم حقده على القرآن، وبرغم كراهيته الشديدة للتيار الإسلامي؛ إلا أن الإسلاميين فرضوا أنفسهم بتميزهم، ولذلك اضطر أركون –برغم حقده- إلى أن يعترف بأن الاسلاميين سبّاقين إلى العلوم النافعة حتى لو كانت في المجتمع الغربي، يقول أركون عن إقبال الإسلاميين على العلوم الطبيعية:
(نلاحظ مثلاً أن دارسي العلوم الفيزيائية والرياضية والطبية وغيرها ينخرطون في صفوف هذه التيارات –أي الإسلامية- أكثر بكثير من المختصين بعلوم الإنسان والمجتمع، وقد عرفنا أثناء المعارك والاشتباكات التي جرت في جامعات تونس والجزائر والقاهرة الخ أن المتعصبين والمتزمتين ينتمون بشكل خاص إلى كليات العلوم، إنها ظاهرة تستحق التأمل والتفكير) [تاريخية الفكر العربي الإسلامي، أركون، 26].
وفي موضع آخر يؤكد أركون هذا الاعتراف فيقول:
(نحن نعرف أن الكثير من طلاب الكليات العلمية والتقنية ينتسبون للحركات الأصولية السلفية) [الفكر الإسلامي: قراءة علمية، 181]
حسناً يا مسيو أركون، طالما أن الإسلاميين المعظمين للقرآن يتسابقون إلى العلوم الطبيعية والتقنية النافعة، فهذا ينسف جذرياً كل ما تقوله من أن القرآن يقف حائلاً بيننا وبين التقدم، هذا ينسف كل ما تقوله من أن الفكر الإسلامي ضد التقدم، طالما أن الإسلاميين المعظمين للقرآن أكثر استيعاباً منك للفيزياء والهندسة والطب والتقنية الخ فهذا يعني أنك أنت المتخلف وهم المتقدمون!
-تكفير الغزالي والقرضاوي لأركون:
في منتصف الثمانينات كان الأستاذ (مولود قاسم) نظم ملتقى اسمه (ملتقى الفكر الإسلامي)، في مدينة بجاية الجزائرية، وكان عن الغزو الثقافي، وكان من ضمن الضيوف الشيخ محمد الغزالي وأركون، ووجه الغزالي –تغمده الله برحمته- نقداً حاداً لأركون، وقال له إن كنت تعتقد هذه العبارة (عبارة وردت في ترجمة عادل العوا لكتابه الأول) فأنت مرتد، وغضب أركون حينها، واحتد النزاع.
وقد تكلم الكتّاب الجزائريون شهود ذلك الملتقى كثيراً عن تلك الحادثة، يقول الكاتب الجزائري أمين الزاوي الكاتب في جريدة الفجر الجزائرية المعروفة، يقول:
¥