أن يدرك الفترة الزمنية المسماة بعصر خير القرون، والتي قال فيها الرسول: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"، يقول راوي الحديث: فلا أدري أذكر بعد "قرني" قرنين أو ثلاثة.
وهذه الفترة الزمنية حددها العلماء بأنها من بعد وفاة النبي إلى سنة 221 هـ، وهذه السنة كان فيها انتقال المذهب الرسمي للدولة الإسلامية من المذهب السلفي إلى المذهب المعتزلي.
فالعصر الذهبي للسلف الصالح كان بداية من عصر النبوة حتى السنة التي فرض فيها المأمون بن هارون الرشيد بدعة القول بخلق القرآن، وأصبح المذهب الرسمي للدولة هو مذهب المعتزلة في العقيدة.
o الأمر الثاني: العامل المنهجي:
أن يُقدِّم النقل على العقل عند التعارض، فمن قدَّم النقل على العقل عند التعارض وأدرك عصر خير القرون يقال عنه: من علماء السلف، فعصر خير القرون هو عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، فلا يُطلق لفظ "سلف" على المعاصرين، فالمعاصرون لا يُطلق عليهم السلف اصطلاحاً.
وقد قلنا أنه لا تعارض بين العقل الصريح والنقل الصحيح، ولو حدث تعارض فسببه عدم ثبوت النقل أو عدم فهم العقل للنقل، فإن لم يفهم أحد النقل وقال: "أنا أقدم كلام الله على كلامي"، فهذا يقال عنه بأنه على منهج السلف، أو بأنه خير خلف لخير سلف.
هل كان هناك من يُقدِّم العقل على النقل في عصر خير القرون؟
نعم، وسنعلم قصتهم في المحاضرات القادمة إن شاء الله تعالى.
2. مصطلح الخلف:
الخلف في اللغة معناه: من أعقب السلف في الزمن.
وأما في الاصطلاح فيُطلق على من توفر فيه أمران:
• الأمر الأول: العامل الزمني:
وهو أن يعقب عصر خير القرون، فمن جاء بعد عصر خير القرون فقد تحقق فيه الشرط الأول من مصطلح "الخلف"، ويبدأ من عصر المعتزلة ثم عصر المتكلمين الأشاعرة والماتريدية ويستمر حتى وقتنا هذا.
• الأمر الثاني: العامل المنهجي:
أن يُقدِّم العقل على النقل عند التعارض.
إذاً، من قدَّم النقل على العقل عند التعارض: سلفي في المنهج.
ومن قدَّم النقل على العقل عند التعارض وأدرك عصر خير القرون: سلفي في الاصطلاح.
فابن تيمية رحمه الله تعالى ليس من السلف اصطلاحاً، ولكنه على منهج السلف، فهو خير خلفٍ لخير سلف، أما علماء السلف فهم الذين كانوا في عصر خير القرون، فلا يقال عن أحد المعاصرين أنه من علماء السلف، بل يقال بأنه على منهج السلف على قدر ما فيه من تصديق الخبر وتنفيذ الأمر.
فابن تيمية رحمه الله تعالى من الخلف زمناً، ومن السلف منهجاً، ولكنه ليس من الخلف اصطلاحاً ولا من السلف اصطلاحاً، أما الأئمة أمثال أحمد والشافعي وسفيان، فمن علماء السلف اصطلاحاً.
وقد يوجد من يتحقق فيه العامل الزمني للسلف، ولا يتحقق فيه العامل المنهجي مثل الجهم بن صفوان، فقد كان الجهم يُقدِّم العقل على النقل وعاش في عصر خير القرون، وهو أساس البدعة في أمة محمد.
والشيخ ابن باز رحمه الله تعالى خير خلف لخير سلف، فقد جاء بعد عصر السلف، فهو من الخلف زمناً، ولكنه من السلف منهجاً.
في الحقيقة، من أجمل الكتب التي قرأتها كتاب "درء تعارض العقل مع النقل" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ولما تقرأ في هذا الكتاب تشعر أن الذي كتبه شخص موسوعي، ولذلك تجد أن الكثيرين غير قادرين على استيعاب كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى بسبب تبحره، فتجد الشخص لا يفهم كلام شيخ الإسلام فيتهمه اتهامات خطيرة جداً.
• هل العقل أصل في ثبوت النقل أم العقل أصل في العلم بالنقل؟
لماذا يُقدَّم العقل على النقل عند أصحاب المدرسة العقلية؟
قالوا: نحن نُقدِّم العقل على النقل لأن العقل أصلٌ في ثبوت النقل، فلولا العقل ما ثبت النقل، فلو تعارضت الأدلة السمعية مع الأدلة العقلية والقواطع العقلية، فإننا نُقدِّم القواطع العقلية على الأدلة السمعية، فالعقل هو الذي عرَّفنا على النقل، فلولا العقل ما ثبت النقل.
¥