والله جل وعلا لم يزل بذاته ولم يزل بأسمائه ولم يزل بصفاته ولم يزل بأفعاله، يعني أن أسماء الله جل وعلا فيها صفة (الأولية) كما أن ذاته جل وعلا لها صفة (الأولية) فكذلك أسماء الله جل وعلا كذلك صفاته كذلك أفعاله، يعني أن الله جل وعلا هو " الْأَوَّلُ " بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهذا يعني أنه جل وعلا - كما يعبر طائفة من أهل العلم - سبق الأشياء، وهذا السبْق وإن كان يجوز من باب الإخبار لكن لا يفهم أنه من باب الصفة أو من باب الإطلاق الوارد، بل الذي ورد في ذلك إنما هو الأولية، الله جل وعلا (أول).
وهذه الآية بينها النبي صلى الله عليه وسلم " أنت الأول فيس قبلك شيء " يعني أنه جل وعلا إنما كانت الأشياء بإيجاده لها وبخلقه لها وبصنعه لها، فهو جل وعلا أوجد الأشياء ولهذا تكون الأشياء حادثة.
قوله هنا عن الله جل وعلا " الْأَوَّلُ " يعني الذي لا يوصف بأنه حادث ولهذا قال بعض الناس إن معنى الأول أنه هو معنى اسم الله الذي سموه به (القديم)، قالوا إن (الأولية) هي (القِدَم) وهذا غير صحيح، لأن القديم وإن كان يحتمل الأزلية لكنها احتمال من الاحتمالات، وذلك أن اسم القديم يطلق في العربية ـ وجاء استعماله أيضا في القرآن ـ على نحوين:
- الأول: أن يكون مطلقا، يعني من الزمن، يعني قِدم على جميع الأشياء.
- ومنها أن يكون قدما نسبيا، يعني أن يكون قديم ـ يعني إطلاق اللفظ ـ قديم على بعض الأشياء.
الأول واضح، والثاني كقوله تعالى " حتى عاد كالعرجون القديم " قال " أنتم وآباؤكم الأقدمون " وهذا فيه قِدم نسبي، ولهذا لما احتمل هذا اللفظ أن يكون فيه المعنيان ـ معنى القِدم المطلق والقِدم النسبي ـ لم يصح أن يطلق في أسماء الله جل وعلا وأن يقال إن من أسمائه القديم، وذلك للاحتمال.
فأسماء الله جل وعلا كلها حسنى، كلها أسماء كمال، وأما الاسم الذي يحتمل شيئين فإنه لا يطلق في أسماء الله جل وعلا وليس من أسماء الله الحسنى، وهذا مثل (الصانع) ومثل (المريد) وأشباه ذلك.
أما الصفات أو الآثار ـ آثار الصفات ـ هذا قد يطلق عليها أنها قديمة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " أعوذ بوجهك الكريم وسلطانك القديم " وهذا أخص من أن يكون اطلاق اسم (القديم) عليه جل وعلا، بل هو إطلاق على بعض ما له جل وعلا " أعوذ بوجهك الكريم وسلطانك القديم " فـ (القديم) ليس نعتا لله جل وعلا، بل نعت للسطان، ولهذا لا يصح أن يقال إن من أسماء الله جل وعلا (القديم) لهذا الأمر.
" الْأَوَّلُ " أعظم ـ اسم الله " الْأَوَّلُ " ـ أعظم وأجل من القديم، وهو الذي جاء في الكتاب والسنة وهو الذي يشتمل على أنواع (الأولية) للذات والأسماء والصفات والأفعال، تبارك ربنا وتعالى وتقدس.
قال جل وعلا " وَالْآخِرُ " " َالْآخِرُ " كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأنه الذي " ليس بعده شيء " يعني الذي يبقى بعد ذهاب الأشياء كما قال سبحانه " كل شيء هالك إلا وجهه " ويقول جل وعلا في سورة غافر " لمن الملك اليوم " ثم يجيب نفسه جل وعلا بقوله " لله الواحد القهار " فكل شيء إلى الفناء والهلاك وهو جل وعلا " َالْآخِرُ " الذي يبقى بعد فناء الأشياء، وهذا لا شك دليل عظمته وقهره وجبروته وملكه للأشياء وأن كل شيء في هذا الملكوت إنما هو بتدبيره يحيي من يشاء ويميت من يشاء وهو جل وعلا " الْأَوَّلُ " الذي له الأزلية و " َالْآخِرُ " الذي له السرمدية جل وعلا.
قال هنا " وأنت الآخر فليس بعدك شيء " وآخريته جل وعلا المراد منها هذا الي وصف، وأما نعيم أهل الجنة وما هم فيه فإن النصوص أطلقت أنهم خالدون فيها أبدا لأن أهل الجنة يخلدون فيها أبدا، وأهل النار النصوص جاء فيه الاطلاق بأن أهل النار خالدون فيها أبدا، وهذه الأبدية لا تنافي كون الله جل وعلا آخرا، لأن آخريته جل وعلا معناه الذي " ليس بعده شيء " وهو جل وعلا يهلك المخلوقات جميعا ويبقى جل وعلا وحده ويقول " أنا الملك أنا الجبار أين ملوك الأرض؟ " لمن الملك اليوم؟ " ثم يجيب نفسه الجليلة العظيمة جل وعلا بقوله " لله الواحد القهار ".
¥